"توكيد".. ذر للرماد في العيون!

منذ أمد بعيد، والأردنيون يتعايشون مع فكرة البطالة المقنعة، التي تتمثل بوجود عشرات الموظفين في دائرة حكومية تتبع القطاع العام، مع أنه يكفي تلك الدائرة للقيام بأعمالها على أكمل وجه، موظفون قد لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، على أكثر تقدير.اضافة اعلان
ويبدو أن الشعب الأردني، مكتوب عليه، بأن يتعايش، أيضًا، مع بطولات حكومية، أقل ما يُقال عنها إنها ورقية.. فها هي وزارة العمل، تطرح هذه الأيام برنامج «توكيد»، الذي يتضمن تعيين «مراقب الوقاية الصحية» في منشآت القطاع الخاص، لوقت غير معلوم، ولكنه غير دائم حتمًا.
ويُبرر وزير العمل، معن القطامين، الأسباب الموجبة الظاهرة لهذا البرنامج، بالقول إنه الضمان الوحيد لاستمرار فتح القطاعات والأنشطة الاقتصادية، ولتجنب اللجوء إلى إغلاقات جديدة.
وهناك تبريرات، غير ظاهرة، لوزير العمل، تجعل العقل في الكف، ويمكن اعتبارها «ذرا للرماد في العيون»، كتسويق ذلك البرنامج، على أنه وسيلة للتخفيف من معدلات البطالة، التي وصلت إلى أرقام غير مسبوقة.
وزارة العمل، تؤكد أن حوالي 15 ألف شخص تقدموا لهذه الوظيفة، إن جاز الإطلاق عليها هذه الصفة، وتتوقع قبول نحو 4 آلاف شخص.. وهو رقم يكاد يكون جيدا، إذا ما تم حسبته على أساس تأمين وظائف لأردنيين.
لكن الحكومة، ممثلة بوزارة العمل، لم تشرح للأردنيين بشكل عام، ولأصحاب المنشآت بشكل خاص، حيثيات هذا «النصر»، في توظيف الآلاف، الذي سيكون عبارة عن «وهم»، عندما يفيق الأردنيون، بعد فترة وجيزة، مصدومين جراء انتهاء السبب، الذي من أجله تم إيجاد مثل هذه الوظائف.
لم توضح وزارة العمل، على أي سند قانوني استندت، عندما أقدمت على تلك الخطوة، التي لن تطول فوائدها كثيرًا، على أولئك الذين سيتم توظيفهم، وخصوصًا مع زوال جائحة فيروس كورونا المستجد.. كما لم توضح ما الإجراءات التي سيتم اتخاذها في حال رفضت منشأة ما الامتثال لذلك.
الوزير القطامين يسترسل كثيرًا في شرح فوائد برنامج «توكيد»، وأهمها الضمانة الوحيدة لاستمرار فتح القطاعات.. لكنه كان شحيحًا في تسليط الضوء على أن الكثير من منشآت القطاع الخاص، في ظل الأوضاع الراهنة، استغنت عن نسبة ليست بسيطة من موظفيها، وبعضها لم تعد قادرة على دفع أجور ورواتب عامليها، وتتأخر بمعدل شهري عن دفعها في الموعد المحدد.
وبعيدًا عن آلية أو كيفية قيام أولئك الموظفين بكتابة تقارير ضد مؤسسات لا تلتزم بإجراءات الوقاية والسلامة الصحية، مع أنها هي من تدفع رواتبهم.. لم تتكرم علينا وزارة العمل بتوضيح كيف سيتمكن الموظف من كتابة تقرير كل ساعتين، ورفعه إلى المؤسسة!، خصوصًا إذا كان يُغطي أكثر من مؤسسة أو شركة في الوقت نفسه؟
لو كانت الحكومة جادة في العمل للقضاء على نسب البطالة المرتفعة، أو التخفيف من حدتها، لكانت لجأت لطرق أكثر نجاعة من ذلك كبرنامج «توكيد»، أقلها حماية العمال بطريقة جدية، منها فتح القطاعات الاقتصادية جميعها، بلا أي شروط، باستثناء الالتزام بإجراءات السلامة الصحية، وهذا الشرط يمكن تفعليه ورقابته، من خلال جولات تفتيشية، حازمة ومشددة، يقوم بها موظفو وزارة العمل.
أن تقوم وزارة العمل بإجبار مؤسسات وشركات على تعيين أشخاص لأشهر عدة، قد تمتد لعام أو عامين أو حتى ثلاثة أعوام، ومن ثم تنتهي مهمتهم بانتهاء ذلك الوباء اللعين.. فإن ذلك يُعد من باب الاستهزاء بعقول الأردنيين.
هل استطاعت الحكومة أن تجيب، بعد أشهر عدة، كيف سيؤول حال أولئك الأشخاص الذين تم تعيينهم بوظائف، الجميع يعلم أنها ليست دائمة؟.