تونس ومصر.. مفارقة دستورية

بحضور الإسلاميين "حركة النهضة" أغلبية، يُقر المجلس التأسيسي في تونس دستورا هو الأرقى عربيا، لا بل ويضاهي دساتير دول ديمقراطية في العالم، لما يتضمنه من نصوص تصون الحريات والحقوق، وتؤسس لدولة مدنية وعصرية. وفي غياب الإسلاميين في مصر، تتبنى "لجنة الخمسين" المشَكّلة من شخصيات علمانية ويسارية وناصرية، مشروع دستور يعسكر الحياة السياسية في مصر، ويضفي عليها طابعا استبداديا، وإن شئت لمسة دينية ظاهرة مقارنة بالدستور التونسي الجديد.اضافة اعلان
مفارقة مدهشة تستحق التأمل. تونس، مهد "الربيع العربي"، تتعلم الدرس ممن لحقوا بها، بينما تُخفق مصر التي تلتها في الثورة، في استخلاص العبر ممن سبقوها إلى الثورة.
كادت تونس تغرق بعد الثورة؛ وصلت إلى حافة الهاوية. فقد سعت مجموعات إرهابية سلفية إلى تقويض أسس المجتمع التونسي، واختطاف ثورته المدنية. ودخلت القوى النقابية والحزبية المدنية في تونس بمواجهة شرسة مع حركة النهضة الإسلامية. كان صراعا مريرا على وجهة تونس المستقبلية وهويتها.
لكن بعد أشهر طويلة من الصراع المكلف، انتصر العقل التونسي الحر والمتمدن؛ انتصر عند كلا الطرفين، حركة النهضة وقوى المجتمع المدني وأحزابه. وتجلى هذا الانتصار في إقرار دستور يمنح المرأة حقوقا مساوية للرجل، وينص صراحة على "حرية الضمير"، ويصون مدنية الدولة من دون التنكر لهوية المجتمع القومية والدينية ومن قبل الإنسانية.
يُجمع الخبراء على أن إسلاميي تونس يختلفون عن إسلاميي مصر، وهذا صحيح؛ فحركة النهضة ظلت على الدوام متفردة عن باقي حركات الإسلام السياسي في العالم العربي بوعيها وانفتاحها. وللحق، فإن تونس مختلفة أيضا؛ فبرغم كل ما يمكن أن يُقال عن عهد الحبيب بورقيبة من مساوئ تخص فرديته وتسلطة، إلا أنه وضع أسس دولة عصرية تحترم التنوع وحقوق المرأة والحريات الاجتماعية. واتحاد الشغل؛ المنظمة العمالية العريقة التي قاومت الاستعمار الفرنسي، ترعرعت في عصره.
وفي تونس، لا توجد مؤسسة عسكرية قوية ومهيمنة كحال مصر. وما من طرف سياسي تونسي يفكر في دور للعسكر على خلاف مصر. ضعف المؤسسة العسكرية في تونس صب في مصلحة البلاد، وقُوّتها في مصر أضرت بمستقبل المصريين.
كانت حركة النهضة في تونس تراقب المشهد المصري بوعي وبصيرة. ومنذ اللحظة التي أطاح فيها العسكر بمحمد مرسي، أدرك قادة "النهضة" الحاجة إلى السير في طريق التوافق الوطني، وفعلت الشيء ذاته قوى تونسية مدنية وعلمانية.
في مصر، اتخذت الأحداث مساراً مأساوياً، ولم تحسن القوى المدنية استغلال الأزمة مع الإسلاميين لإعادة بناء التوافق الوطني على قواعد جديدة. اختارت الطريق الأسهل؛ مناشدة الجيش التدخل لحسم الأزمة. لم تكتف بذلك، بل عملت على إعادة بناء الدولة على نفس الأسس التي كانت قائمة عليها في عهد حسني مبارك؛ سلطة محصنة للمؤسسة العسكرية، وزعيم ملهم يحكم مصر لسنوات مقبلة.
المثقفون والليبراليون تحولوا إلى "هتيفة" من أجل دكتاتورية العسكر، وكأنّ شيئا لم يحصل في مصر قبل ثلاث سنوات.
لم تكن قوى المعارضة لحكم "النهضة" في تونس أقل وزنا وحضوراً من تيار المعارضة لحكم الإخوان المسلمين في مصر. ومثلما وقفت المعارضة التونسية في وجه محاولات حركة النهضة فرض نموذجها على الشعب التونسي، تصدت قوى مصرية لإخوان مصر. الفرق أن التونسيين اختاروا طريق التوافق الوطني، فالتقوا في نهايتها مع "النهضة" على قواسم مشتركة. بينما اختارت المعارضة المصرية طريق "الانقلاب"، فعادت مصر من جديد إلى حضن العسكر.

[email protected]

fahed_khitan@