"تيك توك".. صراع الهيمنة بين أميركا والصين يمتد لـ"التواصل الاجتماعي"

tiktok-usa-china-flaggen-100_3840x2160
tiktok-usa-china-flaggen-100_3840x2160
كتب أحمد غنيم يحارب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بضراوة كجزءٍ من استراتيجية بلاده طويلة الأمد مع التنين الآسيوي العملاق؛ الشركات الصينية وتحديداً التكنولوجية والرقمية، التي نمت خلال الألفية الثانية بشكل سريع ومخيف، مستفيدة من الدعم القوي الذي تقدمه الدولة لأنشطتها العابرة للقارات والذي يجعل منافستها خلال السنوات القادمة أمراً شبه مستحيل. يقدر المتخصصون في العلوم السياسية والاقتصاد السياسي والدراسات المستقبلية "هيمنة" الصين على الاقتصاد العالمي بشكل كلي -وإن كان ذلك فعلياً ما يحصل- قبل العام 2050. "العام 1978، بلغت قيمة صادرات الصين 10 مليارات دولار فقط، أيّ أقل من 1% من حجم التجارة العالمية، لترتفع في 1985، إلى 25 مليار دولار، وبعد عقدين فقط زادت قيمة الصادرات الصينية إلى 4.3 تريليون دولار مما جعل الصين أكبر دولة مصدرة للسلع في العالم"(1). يتوقع خبراء أن تسيطر الصين بحلول العام 2050 على "20% من حجم الاقتصاد العالمي وستحل الولايات المتحدة ثالثاً، بعد الهند بحجم استحواذ 12%"(2). إنّ أكثر ما تخشاه أميركا إضافة لما سلف؛ هو انتزاع الصين لهيمنتها على التكنولوجيا الرقمية والتقنية، وما معركة "هواوي" و"الجيل الخامس" إلا كدليل على ذلك، بعيداً عن الإدعاءات بشأن المشاكل الأمنية. وما أن لبثت معركة "هواوي" أن تهدأ، برز تطبيق "تيك توك" والذي ساهم الحظر خلال جائحة "كورونا" في تفشيه عالمياً أسرع من الفيروس، بعد أن كانت متابعته محصورة بين فئات عمرية محددة بقصد التسلية والترفيه، كعنوان جديد للأزمة بين بكين ووشنطن، ملخصه "صراع الهيمنة على التواصل الاجتماعي". لقد أعادت معركة ترامب، مع التطبيق المتخصص في بث مقاطع الفيديو القصيرة والموسيقية، تساؤلات قديمة مفادها "لماذا كل مواقع التواصل الاجتماعي هي شركات أميركية أو اشترتها الولايات المتحدة؟، لماذا لا توجد شبكات تواصل بريطانية أو فرنسية أو ألمانية بحجم (فيسبوك، تويتر، سناب تشات، لينكد إن، يوتيوب، إنستغرام وواتس آب)؟". كل هذه التساؤلات المشروعة، الإجابة عنها بالتأكيد سهلة، وتقودنا إلى منطق السيطرة الأميركية على كل شيء، التي فرضتها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وعززها انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي. وتشتبه السلطات الأميركية في إمكانية "تجسس تيك توك على مواطنيها"، وهو ما يعده البعض كلاماً للتغطية على حجم التأثير للتطبيق في العالم وأميركا تحديداً، خصوصاً في صفوف الأطفال والمراهقين، الذين يمكن أن ينجروا إلى أي خطاب أو ثقافة لا تريدها واشنطن. أضف إلى ذلك، دور التطبيق الصيني خلال أزمة الاحتجاجات الأميركية في أيار/مايو وحزيران/يونيو الماضيين، بعد مقتل جورج فلويد على يد شرطي في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا. يستخدم تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة نحو 80 مليون شخص أغلبهم من المراهقين وأقل من 20 عاماً، وفق ما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية، فيما يستخدم التطبيق حول العالم أكثر من مليار شخص. قرر الرئيس الأميركي، حظر "تيك توك" في الولايات المتحدة، لكنه عاد وأعطى مساء الأحد، مهلة 45 يوماً لإتمام مفاوضات استحواذ شركة مايكروسوفت على نشاط التطبيق في بلاده، حسبما ذكرت وكالة "رويترز"، حيث يصف مسؤولون أميركيون "تيك توك" بأنه "خطر على الأمن القومي بسبب تعامله مع بيانات المستخدمين". وعند الحديث عن بيانات المستخدمين؛ لا يمكن إنكار أنّ جميعها في أيدي شركات وأجهزة أمنية عالمية قبل أن يظهر "تيك توك"، ولا ننسى "فضيحة كامبريدج أناليتيكا 2018" مع فيسبوك والمتعلقة بالحصول على بيانات ملايين من مستخدميه دون إذن، وهي المسألة التي فتحت صراعاً حول الخصوصية في مواقع التواصل. تدرك الولايات المتحدة الخطر قبل أن يدركه باقي العالم الذي يستخدم تطبيقات التواصل الاجتماعي للترفيه والتسلية والتعبير عن الذات في أغلب الأوقات، بينما تنظر هي إليه في سياق الهيمنة والسيطرة استناداً إلى قوة القطب الأوحد ولحماية الثقافة والقيم الأميركية التي روجتها ذراعها السينمائية "هوليوود" على مدى عقود طويلة. يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، إنّ "القوة هيّ الحق" وهي مقولة تجسدها الولايات المتحدة ويكثر من استعارتها ترامب، في التعامل مع العالم بوصفه أنّه لا يحق لأي أحد أن يبتكر ويبدع خارج فلك بلاده. فمن غير المقبول أميركياً أن يسيطر أحد على الفضاء الافتراضي والترفيهي والتقني والتواصل الاجتماعي حول العالم غير الولايات المتحدة، لذلك لن تكون معركة "تيك توك" الأخيرة طالما أن هنالك عقلاً بشرياً يبدع ويخرج بأفكار خلاقة، وهذه المقولة لن تجعل الصين أفضل لأنها ستطبقها حال هيمنتها على العالم أو أيّ دولة أخرى. قبل الإغلاق الطويل بسبب جائحة كورونا في آذار/مارس الماضي، زار وفد من إحدى المدارس جريدة "الغد" التي أعمل بها، يومها سألتهم وأعمارهم على ما اعتقد تتراوح ما بين (8 و14)، عن مواقع التواصل الاجتماعي فأجاب جميعهم بأنّهم لا يعرفون إلا "تيك توك" ولا يستخدمون الوسائل الأخرى، وعلق أحدهم: "الفيسبوك للختايرة!". كلام المراهق دليل على أنّ "مارك زوكربيرغ" مؤسس فيسبوك بكل هيمنته وسطوته في شراء أو تقليد أيّ منتج يطرح في السوق كما حدث مع فكرة "الستوري" الذي قلدها من تطبيق "سناب شات" مع استعداده أيضاً لتقليد "تيك توك"، لم يستطع أن يجعل هولاء يتابعون منصته على تنوعها وهو ما تخشاه أميركا فعلاً من أن الجيل الجديد ليس بالضرورة أن يدور في فلك ما تريده. للمراهقين وسائل تواصلهم الخاصة وكذلك الأطفال وتختلف عما نستخدمه ونتواصل به، ففيسبوك بالنسبة لهذه الفئات صار من وسائل الاتصال التقليدية مثل المذياع والصحف والمجلات، وهي أكثر الفئات تأثراً بما يطرح بدون جدران حماية، خصوصاً أنهم الأكثر عرضة لأن يكونوا ضحايا صراعات سياسية واقتصادية كبرى. *ملاحظة: لديّ تحفظات على تطبيق "تيك توك" من نواح عديدة فيما يتعلق بالخصوصية والمحتوى وعدم احترام الفروقات العمرية بشأن ما يطرح، لكن ذلك لا علاقة له بما طرح أعلاه. هوامش: (1): كيف أصبحت الصين "معجزة اقتصادية"؟ (2): تقرير العالم في 2030.. نهاية هيمنة الدولار واقتصاد الصين يتجاوز أميركااضافة اعلان