تيم.. كفيف أنار طريقه بالشغف وحصد بطولات رياضية محلية وعربية

Untitled-1
Untitled-1

تغريد السعايدة

عمان- يستنشق الشاب حسن تيم نسمات الهواء المتدافعة وهي تتسلل إلى داخله عند ممارسته رياضة الجري في المسابقات المحلية والعربية، يرافقه شعور بالقوة والاندفاع والشغف لتحقيق الطموح، وهو يضع نصب عينيه أهدافا للرفع من سوية الخدمات التي تساعد أقرانه في طريق الحياة.اضافة اعلان
حسن تيم شاب “كفيف” تخرج مؤخراً في الجامعة الأردنية ويحمل شهادة البكالوريوس في تخصص اللغة الإيطالية والإنجليزية، لم يكن يوماً إلا شخصية قوية ونموذجا يحتذى به لدى الشباب المحيطين به الذين يشاهدون في عينيه قوة التصميم والتحدي التي ساهمت بوجودها عائلة متعاونة وداعمة بأن يكون بطلاً في رياضة الجري منذ أن دخل الجامعة قبل اربع سنوات.
يرى تيم طريقه ممتداً سهلاً يشع بنور قلبه، إذ وقف على الدوام متحديا العوائق، يطالب دوما بحقوق ذوي الإعاقة، ولم يمنعه فقدان نظره من أن يكون بصيراً قادراً على تلمس طريقه بنفسه، وشغوفا يصل إلى نهاية السباق ليعلن الفوز والنصر على عتمة العين بنور المحبة الذي يحيطه من الجميع.
يروى تيم قصته لـ “الغد” مصراً في البداية على أن تكون القصة من منطلق قوة ومن ذكر نقاط الشجاعة التي يرى أنها أكثر من نقاط الضعف، فهو يشعر بالحب الكبير من أهله ووالدته التي لم تترك منفذاً للنور إلا وطرقته لتبحث له عن فرصة لحياةٍ افضل لابنها، وحملته على أكتاف الرفق إلى الروضة ومن ثم المدرسة إلى أن أوصلته إلى المرحلة الجامعية ابنا تفتخر به بين الناس، لتقول “هذا البطل العداء هو ابني ونور عيوني حسن”.
لا ينكر تيم في البداية أنه تعرض للتنمر من قِبل البعض ممن كانوا يستهجنون مشاركته في المسابقات التي تقام للجري، ولكونه “كفيفا” تحيطه التساؤلات: كيف لك أن تركض وتشارك وأنت لا ترى؟!، إلا أن هذا التصرف الذي يرى تيم أنه “تنمر لفظي عليه”، إلا أنه كان سبباً في دفعه للأمام سواء من الناحية الرياضية أو الشخصية لنفسه. وأصر أن يثبت تميزه في المجال الرياضي والأكاديمي، وأن يكون على قدر كبير من المسؤولية تجاه نفسه والآخرين، وعائلته، التي آمنت بقدراته وتجاوزات الصورة النمطية لـ “الابن الكفيف الذي يجب أن يلتزم البيت درءًا للأذى”.
في العام 2016 كانت البداية لـتيم في مجال السباق والمشاركات الرسمية، حيث شارك في ماراثون عمان، لمسافة 10 كيلومترات، والذي كان في ذات الوقت بداية عمله في مجال التوعية والتطوع في الحقل الحقوقي للأشخاص ذوي الإعاقة، وأن يغير الصورة النمطية بأن “الشخص الذي يعيش بإعاقة هو دائماً بحاجة إلى المساندة والدعم في كل تفاصيل يومه”، ويؤكد أنه على قدر كبير من القوة والتحدي، وهذا دفعه للمشاركة في مسابقات خارجية كذلك.
في كل عام كان تيم يشارك في سباقات جديدة ومسافات مختلفة، وبأعمال تطوعية، إذ لم يترك طريقاً يشقه بتميز إلا وسار فيه وأثبت وجوده وتميزه، وكان قد شارك في العام 2018 ببطولة غرب آسيا وحصد المركز الثاني في مسابفة 400 متر، وكذلك مشاركته في بيروت بمسافة 42 كم، أثبت فيهما تيم نجاحه وتميزه.
هذا التميز لم يأت من فراغ، فقد كان تيم يصر على المشاركة في الرياضة المدرسية منذ صغره، ولم تمنعه ظلمة العيون من أن يكون طفلاً يحب الحياة واللعب والرياضة، وهو ما بدا الآن واضحاً على جسده الذي يتميز باللياقة المميزة والصلابة، وحمل عقلاً وقلباً سليمين، هما سلاحه في حياته وتحقيق طموحاته.
وحرصاً منه على تطوير مهاراته وقدراته الرياضية والخبرة في الحياة والاطلاع على تجارب الدول الأخرى في مجال خدمات ذوي الإعاقة، سافر تيم إلى عدة دول وأقام بمعسكرات تدريبية ساهمت إلى حد كبير في ان يضع “تصوراً لمطالبه وقدراته في التحدي والحديث والخطابة”.
ولا ينكر تيم دور العداء الأردني “الكفيف” سهيل النشاش، الذي مسك بيده وقاده إلى أن يكون عداءً وبطلاً، فقد كان يدعمه بشكل دائم معنوياً ونفسياً ويشجعه على الاستمرار في المشاركات، وان يكون فعالا بمحيطه الجامعي يتحدث بطلاقة عن حقوقه وحقوق زملائه في الجامعة.
ويحرص تيم ما بين الحين والآخر أن يتحدث ما بين المحاضرات عن حقوق ذوي الإعاقة وأهمية وجود مسارات محددة لهم في الجامعات، وتوفير كتب كافية مترجمة بلغة “بريل” ليتمكنوا من مجاراة الطلاب في الدراسة، دون الاضطرار إلى اتباع طرق أخرى في توفير الكتب، والتي من شأنها أن تُثقل كاهل الطلبة وذويهم. كما يطالب الجامعات بأن تكون اكثر تعاوناً مع الطلبة “ذوي الإعاقة” لتحقيق مطالبهم وحقوقهم في بيئة تعلمية أفضل، خاصة وأن هناك تزايدا في اعداد الطلبة من ذوي الإعاقة في الجامعات ومنهم متميزون في دراستهم.
وهذا جعل من تيم شخصاً يتابع باهتمام قضايا الطلبة في الجامعة وما يزال الآن، وبعد تخرجه، على تواصل مع الجميع يحاول اطلاق مبادرات مختلفة في هذا المجال، والعمل مع اليونيسف في التشبيك ما بين المبادرات سواء أكانت فردية أو جماعية، للمساهمة في النهوض بالواقع الإجتماعي والتعليمي للطلبة.
ولم يقتصر وجود تيم في الجامعات للحديث عن حقوق وقصص نجاح ذوي الإعاقة، بل كان متميزاً في مؤتمر أحاديث عمان للسلام بتنظيم من هيئة أجيال السلام، وبرعاية الأمير فيصل بن الحسين، والتي أُقيمت في عمان خلال الشهر الماضي، وتحدث فيها تيم عن تجربته في التحديات التي واجهها وفكرة الحد من العنف والتنمر بأشكاله، ليكون “خير ناطق وأفضل من تحدث عن واقعه ذوي الإعاقة الذي يعيشه”.
ويرى تيم أن التطور التكنولوجي الذي شهده العالم بشكل متسارع كان له دور كبير في مساعدة ذوي الإعاقة والمكفوفين على وجه الخصوص، وهو الآن من خلال هاتفه الذكي قادر على التنقل بسهولة من خلال تطبيقات التنقل والحركة، وبرامج الترجمة وتحويل الكتب إلى تسجيلات صوتية تساهم في تسهل الدراسة عليهم.
ويوجه تيم رسالة إلى المجتمع في كل مكان ويقول “نحن بحاجة إلى جرعة سلام وأمن وحب في محيطنا والتي تساعدنا في تقبل الإختلاف ما بين جميع الأطياف والحالات ليكون مجتمعنا بيئة مهيئة توفر فرص حياة متكافئة تنهض بالواقع وتساهم في تطوير المجتمعات وتنمية الحافز والإبداع لدى الجميع”.