ثقافة الذبح.. جريمة الرمثا

مشادة كلامية عابرة مع زوجته أفقدته أعصابه، فأقدم على الفور على قتلها طعنا، ثم أجهز على طفلاته الثلاث ذبحا، وهن اللواتي لم تتعدَ أكبرهن سن الأربع سنوات. هذا ما نقلته مصادر إعلامية من أقوال أولية لمنفذ جريمة الرمثا المروعة يوم أمس.اضافة اعلان
هو إذن ليس مريضا نفسيا، والشرف لم يكن دافعا للجريمة؛ مجرد خلاف "لحظي" مع الزوجة المغدورة، كان كافيا بالنسبة له ليقتل زوجته بالسكين، ويجهز على طفلاته الثلاث الواحدة تلو الأخرى.
أي تفسير يمكن أن نردّ له هذه الجريمة التي تشلع القلوب، وتطير العقل من الرأس؟ أي تفسير غير أنها ثقافة الذبح التي استوطنت في النفوس، واستدعت أكثر ما فينا من وحشية؛ غلبت آدميتنا، حتى تجاوزنا سلوك الحيوانات؟
في أكثر من شريط مصور لعناصر من تنظيم "داعش" الإرهابي، ظهر رجال كبار في السن وهم يطلقون الرصاص على رؤوس أبنائهم وإخوانهم، بدعوى الردة وخيانة دولة الخليفة المزعوم.
في السعودية، قتل إرهابيون أمهاتهم وإخوانهم، لأنهم في قاموس التنظيم المتطرف مرتدون.
خلال السنوات الأربع الأخيرة، تعرضنا لمئات من مشاهد الذبح والقتل، تكفلت "الميديا" بتحويلها إلى مشاهد روتينية مألوفة في حياتنا. عمليات ذبح تم تصويرها بمهارة وتقنيات فائقة الجودة، قتل أبهرنا في طرق إخراجه، فنسينا أنها في نهاية الأمر جرائم مروعة، ضحيتها بشر من لحم ودم.
قاتل الرمثا ليس داعشيا ولا متطرفا، ولا صلة له بالجماعات المشهود لها بالإرهاب. شخص عادي مثل سائر الناس. ومؤكد أنه قبل ساعات وأيام من ارتكاب جريمته بحق عائلته، كان قد احتضن طفلاته ولاعبهن، وخفق قلبه لسماع إحداهن تناديه "بابا" لأول مرة.
لكنّ الشخص ذاته تحول في غضون ثوان إلى وحش أشد فتكا من الدواعش؛ يذبح رفيقة عمره وفلذات كبده بدم بارد. لم ينتحر مثلما فعل قاتل طفلته في عمان قبل أيام قليلة، إنما توجه بخطوات ثابته إلى المركز الأمني وسلم نفسه، تماما كما حصل مع قاتل عائلته في إربد قبل أسابيع، ومات بعد ذلك بأيام في السجن.
يوفر الطب النفسي تفسيرا علميا لكل هذه الحالات التي يتحول فيها البشر إلى قتلة وسفاحين. لكن وإزاء ما نشهده من جرائم مروعة، نحتاج من المختصين في علم النفس والجريمة وعلماء الاجتماع، إلى الغوص أكثر في هذا النوع من الجرائم؛ لا لنفسرها، لأن من المستحيل أن نقبل تفسيرا لسلوك إنسان يقدم على قتل أطفاله. نريد تفكيكا علميا لثقافة الذبح التي اجتاحت مجتمعنا؛ أفرادا وجماعات، حتى بلغت هذا الحد المروع.
ما أخشاه أن التعامل الفاتر وردود الفعل السريعة على الجريمة، تلهينا عن البحث العميق في جذورها، فتمر الحادثة خبرا سريعا بين مئات الأخبار المتدفقة يوميا، فلا نعود نتذكر الضحايا في اليوم التالي.
الإعلام يتحمل مسؤولية كبرى في هذا المجال. لكنه، وبكل أسف، لا ينهض بدوره. بعد يوم أو يومين يفقد اهتمامه بالجريمة، ولا يعود إلى متابعتها، وتقصّي حيثياتها وظروفها، فيختصر دوره على نشر ثقافة الذبح من دون أن يخوض حربا ضدها.