ثقافة الزعماء العرب

يكاد أن ينتهي العصر الذي احتكر فيه السلطة زعماء عرب جاءوا إما بالوراثة او بالدبابات؛ أولئك الذين انقسموا إلى فئتين، الأولى قادة لا يأتيهم الباطل لا من خلفهم ولا من أمامهم وكل منهم هو المعلم الأول في بلاده والقائد الاوحد والرياضي الأول والفنان الأول والباني والمنقذ وصاحب النظرية وله من المؤلفات في الفلسفة وإدارة الكون ما يصلح لكل مكان وزمان، ومعظم ممثلي هذه الفئة تلقوا تعليما عسكريا قائما على تفسيرات خاصة للولاء. والفئة الثانية؛ قادة ملهمون وبناة لا يرى الناس إلا ما يرونه. وفي آخر النهار يبصمون بأصابعهم، فقد صعد بالفعل للسلطة في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي قادة أميون وآخرون بالكاد يلمون بالقراءة والكتابة.اضافة اعلان
مناسبة هذا الحديث، ما يناقش اليوم في مصر عن ثقافة الرئيس المرشح، وسط المعركة الدائرة بين مرشحي الرئاسة القائد العسكري السابق عبد الفتاح السيسي والصحافي حامدين صباحي وثمة ملاحظات وأقاويل تتردد عن تأهيل كل من المرشحين لقيادة مصر ومدى امتلاكهما المعرفة والرؤية والمهارات لإنقاذ البلاد في لحظة فاصلة من تاريخها، وأمام قادة الرأي تجربة الرئيس السابق محمد مرسي الأستاذ الجامعي الذي قيل الكثير عن مستوى تأهيله العلمي والثقافي وهل يصلح لقيادة بلد مثل مصر.
في الأسبوع الماضي نوهت "إيكونوميست" البريطانية للحوار الذي أجرته مع المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي قنوات فضائية مصرية، حيث كشف الحوار عن مواقف جديدة للمرشح؛ بعضها يرتبط بمدى التزامه بالقيم الديمقراطية، وهي المرة الأولى التي يتكلم فيها عبد الفتاح السيسي أمام وسائل الإعلام ولمدة خمس ساعات متتالية بدون نصوص مرتبة ومعدة مسبقا، في السابق كانت تصريحاته تعد مسبقا بعناية وبحساب دقيق.
في هذا الوقت تحدثت صحيفة "المصري اليوم" ان محمد حسني مبارك ومحمد مرسي لم يكونا يعرفان شيئا عن قوة مصر الناعمة في الفن والعلم والتأليف والإبداع والسينما وما خلقته من روابط بين مصر والعرب، فيما طالب الكاتب المصري أمين إسكندر بأن يكون رئيس مصر قرأ نجيب محفوظ مرات لكي ينحاز إلى الفقراء والحارات، وقرأ جمال حمدان كي يعرف جغرافية مصر وشخصيتها وتضاريسها الاجتماعية والثقافية.من الواضح  أن الجيل الجديد من الزعماء العرب قد تلقى تعليما أفضل بكثير من جيل النصف الثاني من القرن العشرين، وهذا واضح في ضوء مراجعة التعليم الذي تلقاه الأمراء الجدد الذين بدأوا يتقدمون إلى الصفوف الاولى في دول الخليج على سبيل المثال. المشكلة قد تبدو لاحقا ليست في المعرفة والتحصيل العلمي في النخب القيادية، بل ثقافية في مدى قرب هذه النخب من الناس ومدى قدرتها على فهم المجتمعات التي تحكمها وفهم أحوالها، فيما تذهب أزمة التأهيل في النخب الحكومية في معظم الدول العربية إلى مربع الصراع بين الولاء والكفاءة، أي أنه حتى القيادات التي تعلمت في الغرب ما تزال تفضل الولاء وبمفهومه التقليدي على الكفاءة والتأهيل.