ثقافة العتمة والتضليل (فيديو الطفلة)

التطرف ثقافة، والتطرف تربية أيضاً، والبعض يضعه خلسةً في حليب الأطفال! وإلّا ماذا نسمّي تلقين طفلة لم تبلغ العاشرة من العمر هذا الكلام الذي طلعت علينا به في فيديو خطير ترمي فيه كتبها المدرسية على الأرض وتقول هذا منهاج يهودي لا نريده! الأغلبية من النخب؛ صحفيين ومثقفين ومحللين، يخرجون على التلفزيونات يتحدثون عن محاربة التطرف، محاربته على الحدود وفي المعارك، والحدّ من تسلل الإرهابيين، لكن لا أحد يتحدث من صنع هؤلاء الإرهابيين وأين ولدوا وكيف تربّوا في بيوتنا، و.. كيف غافلنا أبناؤنا وصاروا أعداءنا! لا أحد يراقب أو يتابع ماذا يُلقَّن أبناؤنا خارج المناهج داخل الحصص، (أنا أتذكَّر أن الأستاذ سميح، مُعلّم الإنجليزي في المرحلة الإعدادية، قبل أربعين سنة تقريباً، كان يحوّل حصّته دائماً للحديث عن عذاب القبر وعن الثعبان المسمّى الشجاع الأقرع!)، لا أحد يكترث بأشرطة التسجيل التي تصدح في باصات صويلح-العبدلي، لا أحد يراقب باهتمام الدروس التي تعطى للصغار بين الصلوات في بعض المساجد، لا أحد يتحمل مسؤولية ما يحدث في المجتمع من خلف ظهورنا، وأحياناً أمام عيوننا، .. ثمّ بعد ذلك ندّعي المفاجأة ونتساءل: من أين جاء هؤلاء؟ الفيديو الذي سجّلته التلميذة الطفلة يقرع جرساً مُهمّاً وخطيراً، ويجب أن يُحاسب من لقّنها هذا الكلام وانتهك طفولتها واعتدى على وعيها، وعلينا أن ننتبه لمن يدسُّ السمّ بين صفحات المقرّر المدرسي، فأطفال كثيرون يتعرضون سراً لهذه الاعتداءات على تفكيرهم وثقافات أهلهم، ويكبرون بوعي مشوَّه. وعلى “نقابة المعلمين” أيضاً، التي وقفنا معها ودافعنا عن حقوقها، أن تقف وقفة مسؤولة من هذه الظاهرة المخيفة، وأن تأخذ إجراءات حقيقية ضد أعضائها الذين يخذلون مهنة التربية، ويسرقون عقول أطفالنا، ويضعون “أيديولوجيتهم” بدل المنهاج، ويحوّلون المدارس لفروع حزبية! لسنا كفّاراً، ولسنا ضد موروثنا الديني، ولا أحد يعترض على الجانب الأخلاقي في التربية، فالتربية أساساً كمفهوم تقوم على حزمة الأخلاق، والقيم، لكننا أيضاً في القرن الحادي والعشرين، وثمة علوم كثيرة فاتنا أن نتعلّمها! الدين والأخلاق والسنّة النبوية الكريمة لا تتعارض كلّها مع أن نتعلّم الكيمياء والأحياء والهندسة وعلوم النباتات، وإلّا فلنعد لبيوت الشَّعر والخيام ونكتفي بتربية الإبل ونترك هذا العالَم لمن يجيد الحياة، ويجيد تعلُّمَها وتعليمها! الفيديو الذي رأيناه لهذه التلميذة المسكينة التي جرى تشويه وعيها، مخيف وخطير، ويدفع للرعب مما يحدث في مجتمعنا، ومن هذا الانقسام الخطير والتضاد بين ثقافات المجتمع المتنوعة. يجب وضع حدّ للعتمة التي يراد لنا أن نعيش فيها، ومن يصرّ عليها فلتكن عتمته هو.. ولينزوي في بيته حين تُضاء المصابيح في الشارع!اضافة اعلان