ثقة مفقودة

سلامة الدرعاوي أسباب عدة أدت لتراجع ثقة المواطنين بالخطاب الإصلاحي الرسميّ خاصة في الشأن الاقتصاديّ والذي كانت محصلته خلال السنوات الماضية مزيداً من انتشار جيوب الفقر في المملكة (%28) ، وتنامي معدّلات البطالة بشكل غير مسبوق (25 %). فقدان الثقة بالحكومات ليس وليد لحظة معينة، أو سببه حكومة محددة، بل هي عملية تراكمية على مدى سنوات عدة أدت إلى نتيجة سلبية من خلال تزايد التداعيات السلبيّة على الأمن المعيشي للمواطنين من جهة، والتدخلات المباشرة من "تحت الطاولة" في عمليات الإصلاح السياسيّ من جهة أخرى. إذا أرادت أي حكومة إعادة ترميم جدار الثقة المنهار بينها وبين الشّارع فعليها اللجوء إلى معالجة تشوّهات مزمنة كانت سبباً رئيساً في هذا الانهيار. فالتدخلات في الانتخابات النيابية على مدى السنوات الماضية أدت لتشوّه حقيقي في شكل ممثلي الناخبين، وانتشار المال السياسي "القذر" ساهم في تبخيس شكل أي عملية سياسيّة، لذلك، وجب على المعنيين إعادة التوازن في العملية الانتخابية بحيث تكون أكثر تمثيلا ومصداقية لتطلعات المواطنين، ويعيد هيبة رجل السياسة والبرلمان لسابق عهده وقوته المبنية على أصوات ناخبيه وليس على جيبه. التعيينات في المناصب الرسميّة المختلفة التي عادة ما تلجأ الحكومة لخطاب شفاف فيها لا يتجاوز إطاره النظري، بينما الواقع يتحدث عن تجاوزات حكومية خطيرة في التعيينات بعيدة كُلّ البعد عن الشفافية والكفاءة والنزاهة، وغالبية التعيينات للأسف ينظر لها الشّارع باعتبار الواسطة والمحسوبية هي الأداة الفاعلة والأسراع ليس فقط للحصول على هذا المنصب أو ذاك، وإنما أيضا بات المنصب الرسمي وسيلة للثراء غير المشروع الذي يظهر على صاحبه أثناء وبعد توليه للعمل العام، وهنا يتوجب على الحكومة أن تقرّ بأن التعيينات لها أسس ثابتة ترتكز على الإصلاح والحاجة الحقيقية المبنية على الكفاءة في العمل وليس الواسطة والمحسوبية. سيادة القانون أحد أبرز مظاهر الإصلاح الحقيقي ومؤشر مهم على هيبة الدولة والحكومة معاً، فتطبيق القانون بمزاجية يعني وجود اختراق خطير في العلاقات بين الحكومات والمواطنين، وهو تقسيم "بشع" في كيفية التعامل القانوني مع المواطنين حسب قدراتهم الماليّة أو سلطتهم العشائرية أو المحسوبية وغيرها من مظاهر التطاول على الحكومات والقانون، وهنا يتطلب من الجهات الرسميّة النهوض الثوري في التطبيق القانوني على كل من يخالفه بغض النظر عن من يكون أو الجهة التي يمثلها، فسيادة القانون أساس العدالة اللامتناهية والاقتصادية لأي عملية تطويرية في أي دولة كانت. الإصلاح الاقتصاديّ، وهنا أتحدث عن تشوّهات اقتصاديّة سببها الحكومات ذاتها التي فشلت في إدارة الصناديق الوطنية وفق خطط زمنية محددة الأهداف، فالإنفاق الزائد في التوازنات والذي أدى إلى تدهور العجز الماليّ بأكثر من ملياري دينار قبل المساعدات، ومديونية تناهز الـ34 مليار دينار أو ما نسبته 108 % من الناتج المحلي الإجمالي هو دليل واضح على الفقر العقلي في الإدارة الاقتصاديّة للدولة على مدى السنوات الماضية بعيداً عن أي مسببات خارجيّة كما يصورها البعض، فغالبية مشاكلنا الاقتصاديّة هو تقصير داخلي في الإدارة والمعرفة لا أكثر، وليس له علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي أو ما يحدث في الإقليم. هنا يتوجب على الحكومة الأردنيّة المراقبة الحصيفة لموارد الدولة والمساعدات التي تتلقاها مع وجود خطة وطنية محددة الأهداف وليست برنامج عمل ممل تقوم به الحكومات التي تفتقر للرؤية الاقتصاديّة التنموية التي تصب في صالح التنمية والنموّ. المظاهر السابقة هي التي أدت لتراجع ثقة الشّارع بالحكومات التي يستوجب عليها اليوم وضع فريق رسمي لإدارة شؤون البلاد قادر على المعرفة العميقة لمشاكله واحتياجاته، فالأردن وأزمته الراهنة ليست بحاجة لمستشرقين ومنظرين بقدر ما هي بحاجة لأشخاص مخلصين لهذا البلد وشعبه.اضافة اعلان