ثمن الحل العسكري في العراق

دعونا نبدأ من البدهية المسكوت عنها، وهي أن الرئيس الأميركي بوش، وخلفه كل أركان إدارته السابقة والحالية، كما حلفاؤه ومؤيدوه في غزو العراق، يظلون مسؤولين عن المذابح التي ترتكب في العراق يوميا، تحت اي راية كانت ووفق اي تبرير يساق، وسواء اكان منفذو تلك المجازر المباشرون هم من اتباع الزرقاوي والقاعدة فقط، كما يراد لنا وللعالم أجمع أن يصدق، أم كانوا إضافة لأولئك ممن يتبعون قوى عراقية مختلفة، وحتى العصابات الإجرامية التي تتخذ من أوضاع العراق المأساوية مرتعا للنهب والسلب. فمسؤولية بوش المسكوت عنها تنبع، وكما بات معروفا، من افتقاده لأية استراتيجية لما بعد احتلال العراق، بحيث بات هذا البلد مسرحا لحرب الكل ضد الكل.

اضافة اعلان

لكن إذا كان العراقيون بأرواحهم، والعراق بماضيه وحاضره، هم من يؤدون ضريبة فشل الإدارة الأميركية وحلفائها، فإن الكارثة الحقيقية تبدو في "استراتيجية" الرئيس بوش للتغطية على هذا الفشل، والتي يبدو أن ضريبتها الوحيدة لن تكون إلا مستقبل العراق والعراقيين هذه المرة.

فاستراتيجية بوش تقوم، فعليا، على محاكاة الاستراتيجية الإسرائيلية لإضعاف حزب الله في بدايات عملياته المقاومة للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان؛ وهي استراتيجية قامت على استهداف المدنيين اللبنانيين، وإشعارهم أن القتل والتنكيل الذي يطالهم سببه حزب الله، وصولا بالتالي إلى إفقاد الحزب حاضنته الاجتماعية! طبعا فشلت الاستراتيجية الإسرائيلية، وقويت شوكة حزب الله وتم تحرير الجنوب أخيرا. أما استراتيجية بوش، التي تستحق وفق محللين أميركيين وصف "اللا استراتيجية"، والتي بدأت في الفلوجة مرورا بسامراء والقائم والآن تلعفر، فتبدو مثيرة لا في فشلها المتوالي، تماما كنموذجها الذي تقتدي، بل من حقيقة أنها تبدو منسجمة تماما مع استراتيجية من تسميهم الإدارة الأميركية بـ"المتمردين" في العراق إلى درجة التطابق المدهش! ولعل في عمليات الجيش الاميركي في تلعفر تبدو المؤشرات أوضح ما تكون.

إذ يمكن تلخيص أهداف أولئك "المتمردين"، سواء أكانوا مقاتلين غير عراقيين أم بعثيين عراقيين سابقين، في هدفين أساسيين، هما: إشعال حرب أهلية في العراق، والإبقاء على حكومة عراقية ضعيفة يمكن الإطاحة بها عقب الانسحاب الأميركي من العراق.

فعلى صعيد الهدف الأول، وإذا كانت المؤشرات على حرب أهلية عراقية تزداد معالمها وضوحا عقب كل عملية أميركية، إلا أن ما تبع عملية تلعفر من تفجيرات دموية استهدفت مناطق ذات تركز شيعي، تلاها إعدامات لسنة عراقيين، كل ذلك يدفعنا إلى التساؤل: هل تحتاج الحرب الأهلية إلى إعلان، على نمط الحروب الدولية التقليدية، لكي نقر بها؟ 

لنأمل أن الحرب الأهلية لم تبدأ فعلا في العراق، أو بعبارة أدق لم تصل مرحلة اللاعودة، لكنه يبقى علينا أن نقر هنا أن فعالية الحكومة العراقية وحضورها قد وصلت فعلا مرحلة حرجة، إن على المستوى الأمني أو على المستوى السياسي. فالحكومة لم تستطع أن تحمي مواطنيها من العرب السنة من البطش الأميركي في كل مكان قيل إنه يخضع لسيطرة القاعدة أو البعثيين السابقين، وقبل ذلك –لمن يرتضي أن تكون أرواح الأبرياء ثمن الإجهاز على "المتمردين"- فإن الحكومة العراقية لم تحم مواطنيها من أولئك "المتمردين" أصلا. أما فيما يتعلق بالمواطنين الشيعة، فإن فقدان الحكومة لفعاليتها الأمنية لدى هؤلاء يبدو النتيجة الطبيعية للهجمات الدموية التي استهدفتهم متزامنة مع تصريحات حول النجاح في القضاء على المتمردين في تلعفر، كما في الأعمال الثأرية التي ارتكبها بعض الشيعة في حق مواطنيهم السنة لاحقا! 

أما على مستوى الفعالية السياسية للحكومة، فإن إدانة غازي الياور، النائب الأول (السني) لرئيس جمهورية العراق، للعمليات العسكرية في تلعفر، يبدو دليلا كافيا حول مدى وحدة الحكومة العراقية وتمثيلها فعلا للشعب العراقي الواحد!

هكذا، فإن الرئيس الأميركي جورج بوش، وفي سعيه إلى الخروج من المستنقع العراقي الذي صنعه هو بنفسه، ونتيجة إصراره على اللجوء إلى حل عسكري دموي بحق السنة والدفع بعملية سياسية مشوهة، إنما يرتكب في الواقع كل الخطايا التي تساق كمبرر لعدم خروج القوات الأميركية من العراق مبكرا. لكن الفاجعة حقيقة هي أن خطايا بوش لن يدفع ثمنها المحتلون الأميركيون، بل سيدفعها العراق وغيره من البلدان العربية، وإلى فترة غير معلومة من مستقبلهم.

[email protected]