جامعات للبيع لو أحد يشتري

ربما من أكثر من عقدين ونحن نحذّر مما يحدث أو لا يحدث في الجامعات الأردنية. فما لا يحدث هو البحث العلمي الذي يُغذّي الحياة ويصنع التقدم. وهو وجهٌ غائبٌ تماماً في الحياة المعرفية الأردنية، حيث لا إنفاق عليه ولا ميزانية مخصَّصة، كما لا مؤهّلون ومؤهّلات، بشكل عام، في الطاقم التدريسي. إذ مع الوقت، أُحيل إلى التقاعد أو الموت الجيل الأول الذي بنى أولى الجامعات (الأردنية واليرموك)، وجاءت بعده أجيال الواسطة والعلم المهترئ، حيث يُغذي هؤلاء (بحسب نوع الواسطة) هويّاتٍ فرعيّةً مشحونةً بالعداء للآخر، وتسفيه وجوده. بل إنّ الجهد والعقل والتخطيط اتّجه في السنوات الأخيرة إلى الإنفاق جيداً على استحضار الدعاة الغيبيّين لتفسير الكون من منظورٍ ادّعائيّ ماضويّ، لا يُقدّم قُلامة ظفر في التفكير العلمي والحثّ على الإبداع.اضافة اعلان
ومما لا يحدث أيضاً أن أساتذة الجامعات (حيث من المفترض بينهم العالم والمفكّر والمثقّف العضوي) لا يقودون التغيير في المجتمع، التغيير الذي ينشد القيامَ والنهوض ومواجهة هذا الكم الهائل من المشكلات والمخاطر. فما يجري في المجتمع يجري وحده، محروساً جيداً بغوغاء الفكرة، بينما أستاذ الجامعة يتفرّج ممتعضاً، دون بذل أي جهد يُذكر للاعتراض، أو ينحني أمام طغيان التخلّف بالتنظير له كأجير في مصنعه.
أما ما يحدث في الجامعات فهو أمامنا في كلّ يومٍ تقريباً؛ مخرجات مهلهلةُ النسيج علماً وانتماءً، تساهمُ بمهارة منقطعة النظير في تعميق الحفرة التي تتساقط فيها الأوطان. فمن جهة لا علمَ وما يحزنون، إنما جهلٌ مستشر وعميق. ومن جهة أخرى لا أخلاق. فكيف لا يكون العنف هو أداة "التحاور" بين مختلفين؟ وكيف لا تتحوّل الجامعات إلى ساحات وغى، ما دام لا يجد الطالبُ فيها مختبرات للتجارب، ومسارح للتمثيل، ومشاغل للإبداع التشكيليّ، وقاعات للأداء الحركيّ، وأساتذة يبحثون ويحثون على البحث، لتوظيف طاقة الشباب في المفيد الممتع، لا التنفيس المدمّر؟ وكيف لا تتحول الجامعات من دور علمٍ إلى حواري شغبٍ وقنصٍ، إذا كان بين أساتذتها من يشجّع على العنصرية والهمجيّة والتكفير والمواجهة البدنية، بإعلاء شأن "داعش" و"النصرة" و"القاعدة"، وتبييض صور أعلامها التي استشرست في وجه الإنسانية والحضارات البشريّة؟
إنه انحدارٌ مخيف، وليس مجرّدَ بثرةٍ في وجه الوطن، كما يذهب إلى ذلك كتابٌ ومنظرون. انحدارٌ يستوجبُ هبّةً علاجيةً تتمثّل في إعلان حالة طوارئ علمية وثقافيّة، لمواجهة الأسباب، والتصدّي لها، بما يوقف على الأقل هذا النزيف الذي ليس آخر ما ابتلانا به الفساد في الرأي والإدارة والشرف والمال.
سنحاول أن لا نفقد الأمل..!
لا نذهبُ بعيداً.