جبر الخواطر.. حينما يكون سببا بتغيير حياة إنسان ومنحه الأمل

_
_

مجد جابر

عمان- "جبر الخواطر"… كلمتان قد لا يدرك كثيرون المعنى العميق لهما.. لكنهما قد تشكلان سبباً لتغيير حياة إنسان أو شخص كان بحاجة لهما.اضافة اعلان
كلمة واحدة فيها "جبر للخاطر" أو فعل غير متوقع أو موقف تجاه إنسان يبقى محفورا بالذاكرة ويشكل بصمة واضحة في الحياة، ذلك الأثر الذي يتركه الشخص الذي يجبر بخاطر صديق أو قريب أو حتى غريب.
الاختصاصي التربوي الدكتور عايش النوايسة، يبين أن "جبر الخواطر" أقل ما يقال عنه إنه السمو في العبادات، فهو خلاصة كل العبادات التي نقوم بها، والسبب أنها عبارة عن خلق، وهذا الخلق إسلامي يدل على سمو النفس وعظمة القلب ورجاحة العقل، ويدل على وصول النفس البشرية الى درجة عالية من الرقي في التفكير والأخلاق.
ولا يوجد عبادة أفضل من جبر الخواطر، فهي قمة العبادات وأفضلها، الى جانب أن الجبر هو الطمأنينة والراحة النفسية سواء للمريض أو للفقير أو لصاحب الحاجة، هي الخلق الإنساني الأكبر بين البشر، لأنها يندرج تحتها كل السلوكيات التي تتعلق بالبشر من مساعدة وتعاون ورحمة ورأفة، لذلك قد لا يدرك البعض قيمة جبر الخواطر، إلا أنه أمر عظيم، وفق النوايسة.
في حين يوضح اختصاصي علم الشريعة الدكتور منذر زيتون، أنه لا تقتصر العبادة في المفهوم الكلي الإسلامي على الصلاة والصيام والتسبيح وغيرها، بل إن هناك عبادة عظيمة خفيفة بسيطة لكن أثرها وأجرها كبيران، وهي مراعاة مشاعر الآخرين وجبر خواطرهم، ويمكن أن يكون ذلك بأبسط الأشياء كالنظرة الحانية أو العطوفة أو بالكلمة الطيبة أو بالشكر والتقدير أو بالعطية والهدية.
وفي الحديث الشريف: "إنكُمْ لا تسَعُونَ النّاسَ بأموالِكُم، ولْيَسَعْهُمْ منكمْ بسطُ الوجهِ وحسنُ الخلقِ"، ومعناه أن الإنسان إن لم يستطع أن يسع مشاعر الناس بأعطية يعطيه إياه، فيمنحه دفء النفس ببشاشة الوجه والخلق الحسن.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الابتسامة بأنها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، ودعا إلى أن يتصدق بها الناس على بعضهم بعضا بها. وقد وصف الصحابة الكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبسام، حتى قال بعضهم: ما نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ورأيته مبتسما.
وفي الحديث أيضاً: "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ"، وهي دعوة إلى كل عمل صالح ولو كانت مجرد بشاشة الوجه، ولا ينبغي لعاقل أن يغفل أثر ذلك وقيمته في الآخرين، ولذلك قال ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
وجبر الخواطر خلق يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل، وخصوصا تجاه من كسر قلبه أو صعب حاله أو فطر قلبه بابتلاء أو مصيبة.. يقول الإمام سفيان الثوري رحمه الله: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم".
ويضيف زيتون، أن كثيرا منا اليوم في ضيق وشدة وهم وغم، وعليه، واجب علينا أن نواسي وأن نقف بجانب بعضنا بعضا، ولو بكلمة، فلا نبخل على بعضنا بالسلام أو بالشكر أو بالمجاملة الطيبة، وللأسف أن بعضنا لا يحسن ذلك، فوجب عليه تعلمه ووجب عليه ممارسته، ومن منا لا يحتاج إلى كلمة طيبة تقدره وتقدر عطاءه، ومن منا لا يحتاج إلى مدح أو نصح أو توجيه أو شكر. وقد عد الله تعالى الكلمة الطيبة من التقوى، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).
إلى ذلك، فإن جبر الخواطر يجبر المرض بالصحة والأمل والأجر على صبره، ويجبر الخيبة والفشل بالتوفيق وفتح أبواب أخرى غير التي أغلقت، ويجبر الخائف بالأمن النفسي والطمأنينة وهكذا.. فهو جبار لم يدع نقصا في الناس إلا عوضهم بغيره، ولذلك لا نرى إنسانا كاملا ولا نرى إنسانا بلا ميزة عن غيره.. فكل شخص يتمتع بما لا يتمتع به غيره.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني".
ومن الأمثلة التي ضربها القرآن الكريم ودعا الناس من خلالها إلى جبر خواطر غيرهم، أنه دعا إلى أن يخصص الإنسان شيئا من ماله للأقارب والأيتام والفقراء، وخصوصا ممن يخالطونه ويرتبطون معه برابطة القرب أو الجوار، فقال: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا).
ودعا القرآن إلى تقدير ظروف الناس الضعيفة والامتناع عن زيادة أسى ما يواجهونه عليهم، فقال: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ).
ولعل أعظم من دعا إليه القرآن إلى جبر خاطره الوالدين، فقال: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).