"جبر ضرر الضحايا" متى يخرج من عباءة "العطل والضرر" ويتحول لنهج مؤسسي؟

غادة الشيخ تكشف "حادثة ميناء العقبة" عن جانب مهم، يتعلق بحقوق ضحايا الحادث، وهو كيف يمكن تحقيق "جبر الضرر والإنصاف" لهم، بل ويتسع نطاق السؤال إلى البحث عن سبل الإنصاف لمن يقع ضحية انتهاك في أحد مجالات حقوق الانسان، خصوصا إذا كانت الضحية طفلا أو امرأة أو من ذوي الإعاقة؟. كانت حركة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم تغفل هذا الجانب، وتكاد تكون محصورة عالميا، وبالنسبة للفعل الدولي الإنساني بتعويض ضحايا الحروب والنزاعات، وشبه مختفية عن انتهاكات تمس حقوقا أخرى، لكن في الدول العربية بمن فيها الأردن، فإن هذا المبدأ الذي يسمى جبر الضرر، المتعلق بتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ما يزال غائبا. تعتبر فكرة تعويض ضحايا حقوق الإنسان- أي تلك التي تخالف القانون الدولي الإنساني- حديثة الولادة، تسعى للوصول إلى سبل الإنصاف، أكان عبر القضاء الدولي مثل محكمة لاهاي الدولية، أو عبر القضاء المحلي كما هو مدرج في القوانين المدنية للدول، ومنها الأردن. المادة (150) من القانون الدولي الإنساني تنص على أن "تلتزم الدولة المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان بالتعويض الكامل عن الخسائر أو الأذى الذي تسببت به الانتهاكات"، وعرفت مفهوم جبر الضرر بأنه "يسعى إلى تحقيق الاعتراف بالأذى الذي تعرّض له ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان المنتظمة ومعالجتها". ومن هنا، أطلق برنامج يسمى "العدالة التعويضية" يتبع للمركز الدولي للعدالة الانتقالية الملتزمة بالقانون الدولي الإنساني، اذ يدعو منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني وصانعي السياسات، للمعرفة والخبرة والممارسة لمفهوم جبر الضرر. أردنياً، لم يعرف المشرع الأردني جبر الضرر بمفهومه الحقوقي الانساني، وإنما قصره على التعويض وفق خبراء تحدثوا إلى "الغد" في شكل المسؤولية المدنية، مقارنة بالمسؤولية الجزائية، إذ الأخيرة تفرض العقوبة لردع الجاني عن الفعل الذي ارتكبه، إلا أن جزاء المسؤولية المدنية، هو التعويض وإصلاح الضرر وإعادة الحال الى ما كان عليه قبل وقوع الضرر. لم يتخذ المشرع الأردني موقفاً واضحاً ومباشراً بالنسبة لجبر الضرر، فيما تجيز المادة (266) من القانون المدني، التعويض عن الأضرار الجسدية، اذ تنص على انه "يقدر الضمان في جميع الأحوال، بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار". من هنا، تظهر حالات الانحصار في التعامل مع مفهوم جبر الضرر في الأردن، اذ تتجه أغلبها نحو انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالحقوق العمالية والمدرجة تحت مظلة مؤسسة الضمان الاجتماعي، كالحوادث التي قد تودي للوفاة أو أي ضرر جسدي للعمال أثناء ممارسة عملهم، ولعل حادثة ميناء العقبة التي حدثت قبل أيام، وأدت لوفاة 13 شخصاً وإصابة العشرات، مثال حي على ذلك، إذ سارعت مؤسسة الضمان في الخروج ببيان يشي بأنها ستتابع حيثيات الحادثة وتعوض ضحاياها. لكن، أين جبر الضرر في الانتهاكات التي لا تتعلق فقط بالقضايا العمالية؟ مثل الانتهاكات الواقعة على النساء مثلاً، أو الطفل أو الأشخاص ذوي الإعاقة، أو حتى تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، كحرية الأفراد والتوسع في التوقيف الإداري، أو حتى إيذاء المتظاهرين، أو حتى أهالي الضحايا كأهالي من ذهبوا بجرائم قتل، كحادثة الطالبة إيمان أبو ارشيد مثلاً؟ وكيف غابت عن أحداث وصفت بالكوارث والفواجع الإنسانية، كفاجعة البحر الميت في العام 2019 التي راح ضحيتها 21 طفلاً، بينهم معلمة، أو حتى عن أحداث كارثة "نقص الاكسجين" في مستشفى السلط، التي راح ضحيتها سبعة أشخاص جراء انقطاع الأكسجين. تقول المحامية الحقوقية نور الإمام، إن العرف القانوني يقول "لا ضرر ولا ضرار"، وهذا يعني أن أي شخص وقع عليه ضرر أو ما يعرف بانتهاك لحقوق الإنسان، يستطيع المطالبة بالتعويض، مستشهدة بقضايا التحرش الجنسي، وأن الضحية وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، يمكنها رفع دعوى تعويض عن الضرر. و"حتى في جرائم القتل، يستطيع أهالي الضحية المطالبة بالتعويض"، تقول المحامية الإمام، لكن المشكلة تكمن في أن مفهوم جبر الضرر غائب عن وعي الكثيرين، بحيث لا تعلم الضحية ذكرا أو أنثى من أن أي انتهاك تتعرض له، قابل للتعويض عن طريق القانون المدني، وأن فكرة تعويض الضحايا محصورة فقط بالقضايا التي تكون فيها انتهاكات عمالية. وفي الأردن، وفق حديث الخبير في القانون الدولي الإنساني صدام أبو عزام، لم يجر تطوير القواعد القانونية العامة في القانون المدني، بما يراعي طبيعة الانتهاكات الواقعة على حقوق الإنسان. وفسر غياب ذلك التطوير بما يتعلق بالمسؤولية المؤسسية، فالقواعد الجزائية تتحدث عن معاقبة الجاني فرديا، فيما تقول المسؤولية المؤسسة على الجهة المسببة أن تجبر الضرر للضحية، مثل الأخطاء الطبية، فالقانون يلاحق الطبيب الذي سبب الخطأ جزائياً وتأديبياً، لكن مدنياً لا يعوض من وقع عليه الضرر من المؤسسة "المستشفى" أو العيادة التي مارس فيها الطبيب ذلك الخطأ. وأشار أبو عزام، إلى أنه وفي الدول المتقدمة توجد صناديق تضعها الدولة لتعويض ضحايا حقوق الإنسان، أكان من أفراد أو من مؤسسات، وتوجد هذه الصناديق في أكثر القطاعات التي يقع فيها انتهاكات لحقوق الإنسان كالقطاع الطبي. أبو عزام يؤكد، أن الفواجع والكوارث الإنسانية كفاجعة البحر الميت وأحداث مستشفى السلط، تقع ضمن إطار تطبيق جبر الضرر لأهالي الضحايا، وقال "بالطبع نعم، فالفواجع والكوارث الإنسانية يفترض بأن تستحدث أحكام موضوعية تحدد آليات جبر الضرر فيها، لأن حجم الضرر النفسي والمعنوي في مثل هذه الكوارث، يفوق بكثير عن ضرر الجرائم الأخرى". وما إذا كانت هناك جماعات في الأردن مسؤولة عن جبر الضرر، قال أبو عزام إنها غير موجودة "لكن الحالة الوحيدة التي تخضع لتشكيل لجان لتعويض وجبر الضرر للضحايا هي في القانون الزراعي مثل الصقيع وتضرر المزروعات، بحيث يجر تشكيل لجان تقدر حجم الضرر وتعوض المزارعين". وهذا ما طالب بتطبيقه في الكوارث الإنسانية التي تحدث، ليس فقط المتعلقة بالقطاع الزراعي، فبحسب رأيه يجب أن "يكون نهجاً بتشكيل لجان مستعدة وطارئة تتخذ تدابير تعويضية، وجبر الضرر للضحايا وليس حصرها في القانون المدني وطول أمد إجراءات القضاء في اليت بها". وأوصى أبو عزام، بمراجعة التشريعات الوطنية، وبالأخص القانون المدني بما يتوافق مع المعايير الدولية لجبر الضرر لضحايا حقوق الإنسان. وهو ما يتفق معه الخبير الحقوقي رياض صبح، الذي بين أن جبر الضرر في المعايير الدولية لحقوق الإنسان يلزم الدول بتطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وما يعني أن الدولة ملزمة بتطبيق مفهوم جبر الضرر للضحايا. وأشار صبح إلى أنه غالباً ما تكون الحقوق التي يغفل تعويض ضحايا الانتهاك فيها في الدولة، تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، على عكس الاقتصادية والاجتماعية كالحقوق العمالية التي تكاد تكون محصورة بفكرة تعويض الضحايا فيها، مشيرا إلى أن من أوقفوا إدارياً عن جرم أو فعل لم يرتكبوه "يفترض على الدولة بأن تمنحهم تعويضاً ليس مادياً فقط بل ومعنوياً، أي إعادة الاعتبار، مثل تكريمه أو تقديم الاعتذار له ومساءلة الشخص الذي كان سبباً بوضعه في التوقيف". ودعا صبح، لتصويب الوضع التشريعي الأردني، أي أن يجر اتباع العرف القانوني، وهو أولوية تنفيذ الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن قبل التشريعات الوطنية، وبالتالي الالتزام بالقانون الدولي الإنساني الذي يلزم الدولة على جبر الضرر لضحايا جميع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان. وعلى الرغم من قلة الحوادث المفصلية أو المهمة، كـ"تسرب غاز الكلورين في العقبة"، تبقى قليلة، لكن السؤال يبقى متى سنشهد التحول في موضوع تعويض ضحايا مثل هذه الحوادث من نظام "الفزعة" إلى نظام مؤسسي منهجي؟، وذلك لإنصاف الضحايا.اضافة اعلان