جرائم "السُكر المقرون بالشغب".. هل العقوبات وحدها كافية لمنع التكرار؟

حنان الكسواني

عمان- تحت تأثير المشروبات الكحولية، تتكشف قصص وأسرار لنساء وشباب وأطفال باتوا ضحايا تحرش جنسي وسرقات، وربما قتل، حتى حفلت المحاكم بقضايا "السُكر المقرون بشغب" التي تغلق ملفاتها بإسقاط الحق الشخصي وغرامات مالية وعقوبات ليست كافية وحدها لمنع تكرار الفعل ذاته.

اضافة اعلان


قبل يومين، حدثت جريمة هزت المجتمع الأردني، إذ قتل شاب بـ"حجر"، ورشحت معلومات من مصادر أمنية لـ"الغد" بأن الشاب الذي اعترف بارتكاب جريمته كان "تحت تأثير المشروبات الكحولية"، غير أن التحقيقات ما تزال جارية لتحديد دوافع القتل وأسباب الوفاة بعد ان يكشفها تقرير الطب الشرعي.


هذه الحادثة فتحت نافذة جديدة لتذكير المسؤولين بأهمية وضع استراتيجية وطنية فاعلة للتوعية الصحية بأضرار المشروبات الكحولية وإيجاد حلول عملية تحد من شراء وتعاطي هذه المادة "القاتلة"، مثل رفع الضرائب عليها وحصر أماكن بيعها.


بينما لم ترشح معلومات إحصائية دقيقة حول تفاصيل القضايا التي ارتكبت تحت تأثير المشروبات الكحولية، غير أن تصريحات الجهات الأمنية مؤخرا أكدت بأنه " من مجموع القضايا التي ارتكبت العام 2016 وحتى نهاية العام الماضي، توجد 3 قضايا قتل فقط ارتكبت بسبب تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية"، وأن" 88 بالمائة من قضايا القتل في الأردن تقريبا لها ثلاثة أسباب هي: المشاجرات أو لأسباب شخصية أو عائلية".


والحال أن ثمة جرائم وجنحا أخرى أدنى من القتل، ترتكب تحت ستار تعاطي المشروبات الكحولية من شأنها أن تقلب حياه أسر "رأسا على عقب"، رغم وجود عقوبات قانونية رادعة، بحسب خبراء، لكنها لا تكفي وحدها، بل يحتاج مدمن الكحول إلى تأهيل علاجي ونفسي للتخلص من الإدمان، وعليه، رصدت "الغد" قضايا لم تبق بين أسوار المنازل السرية بل وصلت إلى قضبان السجون بسبب تداعيات حالة "السكر".


تحرش جنسي في بقالة


العام الماضي، توجه الطفل سعيد (11عاما) إلى البقالة القريبة من منزل ذويه وبرفقته شقيقته الصغيرة من أجل شراء بعض الأغراض لوالدته، وأثناء وجوده داخل البقالة وهو يدفع ثمن المشتريات، وقف صاحب البقالة والتصق بجسم الطفل بشدة وتحرش بأعضاء جسده.


لكن الطفل سعيد (اسم مستعار) وشقيقته استطاعا الهروب، وبعد ان توجها للمنزل وهما في حالة خوف شديد، أخبر والدته بما حدث معه، والتي قامت وزوجها بتبليغ الأجهزة الأمنية، حيث كشفت كاميرات المراقبة في البقالة، ومن خلال تقرير الخبرة للصور، تفاصيل الواقعة، وان المتهم كان فعليا في حالة "سكر".


واستندت المحكمة الى المادة (305) من قانون العقوبات بأنها في حدود "مداعبة منافية للحياء وليست جناية هتك عرض وفق المادة (299) من قانون العقوبات، مما يستدعي تعديل الوصف الجرمي على هذا الأساس".


سرقات وخاوات ومشاجرات


حضر الشاب الثلاثيني(ب.ع) إلى مكان عمل الشاب (أ.غ) على عربة لبيع الموز، بهدف أخذ النقود منه بطريق "الخاوة"، وكان في حالة سكر، وحاول الاعتداء عليه، ما دفع صاحب العربة للدفاع عن نفسه وقام بطرده أكثر من مرة.


لكن لم يستمع الشاب( ب.ع) إلى صاحب العربة، ولم يرتدع، بل عاد للمرة الرابعة وكان أيضا في حالة سكر، وحاول ضرب الفتى "بحسب قوله في ملف القضية".


وحصلت مشاجرة بينهما، حيث قام المتهم (ب.ع) بضرب العامل بواسطة السكين التي يستخدمها في تقطيع الموز على رأسه.


وبناء على ذلك توجه صاحب العربة إلى المركز الأمني، بينما ظل صاحب "الخاوات" في المكان وقام بقلب العربة، وأخذ منها قطفا من الموز وباعه لأحد محلات المشروبات الروحية، واشترى بثمنه مشروبات روحية، ثم توجه إلى منزل صاحب العربة وتهجم على أسرته، وعلى إثر ذلك جرت الملاحقة.


وتختلف قصة بائع الموز الذي دافع عن نفسه، بحسب ملف القضية، عن مشاجرة وقعت في منطقة الأغوار بين شابين كانا تحت تأثير المشروبات الكحولية "حالة سكر"، حيث كان "المتهم يحمل موسا وقام بطعن المشتكي في بطنه، ونقل إلى مستشفى الإيمان في معدي لاجراء عملية جراحية".


وجاءت افادة الطبيب الشرعي في تقريره الرسمي أن الإصابة التي تعرض لها المشتكي "عبارة عن جرح نافذ للمعدة وغشاء البرتونيوم، وعولج جراحيا، وأن الإصابة شكلت خطورة على حياة المصاب، وقدر مدة التعطيل بأسبوعين من تاريخ الإصابة الأولية".


وفي هذه الحالة، تم الاستناد الى أحكام المادة (177) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وإدانة المتهم (ب .س) بجنحة حمل وحيازة سلاح جارح بحدود المادتين (155 و156) من قانون العقوبات المسندة إليه، وعملا بالمادتين ذاتيهما تقرر الحكم عليه بالحبس مدة أسبوع واحد والرسوم والغرامة عشرة دنانير ومصادرة الموس.


كما تمت إدانة المتهم (ب.س) بجرم السكر المقرون بالشغب بحدود المادة (390) من قانون العقوبات المسند إليه، وعملاً بالمادة ذاتها تقرر الحكم عليه بالحبس مدة أسبوع واحد والرسوم.


انتحار امرأة وزوجها
المدمن بريء
قررت الأربعينية ام عماد (ام مستعار)، أن تنهي حياتها بعدما تعرضت لعنف جسدي ونفسي، لما يزيد على ربع قرن، بسبب زوج مدمن على تناول المشروبات الكحولية ومواد مخدرة في منزلهما، وأمام أطفالها الأربعة.


فبعد طلاقها مرتين وعودتها للمنزل من أجل أولادها، عجزت ام عماد عن ثني زوجها المدمن عن ضرب ابنها بسلك من حديد، وقررت أن تشعل النيران بملابسها لعل زوجها يتوقف عن سوء معاملة أولادها، غير أن النيران نالت من كامل جسدها، بحسب ما جاء في ملف القضية.


ودخلت الزوجه في غيبوبة وتوفيت في أحد المستشفيات الحكومية نتيجة الحروق الشديدة، تاركة وراءها أولادها الصغار، ورسالة لزوجها تقول إن "تناول المشروبات الكحولية دفعها للانتحار".


ولم تثبت المحكمة أن المتهم (زوجها) اقدم على وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في المادة (80) من قانون العقوبات في سبيل تحريض زوجته على الانتحار، لذلك استقر الاجتهاد القضائي على "ان القساوة والغلظة في المعاملة والخلافات العائلية لا تعد تحريضاً على الانتحار"، وبناء على ذلك أعلن القاضي براءة الزوج.


“الرغبة الشديدة لدى المدمن بتناول الكحول قد تؤدي الى تفسخ أسري، وفي فترة العلاج وبعدها يحتاج لدعم اجتماعي" وفق استاذ علم الاجتماع د. حسين الخزاعي، الذي أكد لـ "الغد" أن هذه العادة "تحولت الى ظاهرة في مجتمعنا، بخاصة بين اليافعين".


وحذر الخزاعي من تجاهل المسؤولين لأهمية وضع التدابير اللازمة للحد من انتشار تعاطي الكحول الذي قد ينتج عنه "شغب وجرائم ترتكب تحت تأثير الكحول، إلى جانب ارتفاع الكلف العلاجية على الدولة من الادمان، والعبء الناجم عن الأمراض الأخرى مثل السل (التدرن) والإيدز والاضطرابات النفسية وتليف الكبد والسرطان".


أما "تعاطي المخدر أو المادة المسكرة فليس سببا لتخفيف العقاب أو الإعفاء، بل يتم الإعفاء في حالتين، إذا تناول المادة المخدرة أو المسكرة رغما عنه بالإكراه، أو إذا تناولها دون علمه، كأن يكون عدة أشخاص جالسين معا ويقوم أحدهم بدس مادة مخدرة للآخر، والآخر يرتكب جريمة، وفي مثل هذه الحالة عدم العلم يعفي من العقاب"، بحسب رئيس محكمة أمن الدولة الأسبق فواز البقور في تصريحات صحفية سابقة.


وتساءل البقور آنذاك: "هل العقوبات في الأردن رادعة، وهل وحدها كافية؟"

إقرأ المزيد :