جرائم برسم النسيان

سيتوجب علينا أن نختبر مرور زمن طويل قبل أن نتمكن من استيعاب الجريمة البشعة التي ارتكبتها إسرائيل في حق "أسطول الحرية".

جنود البحرية المدربون على القتل، أجروا تدريباتهم "الحية" على أجساد أشخاص حملوا طيبتهم وإحساسهم الإنساني بالواجب، الذي حتّم عليهم أن يصرخوا في وجه الظلم البيّن تجاه غزة الصابرة.

اليوم، ينسى العالم الجريمة الإسرائيلية، في ما طفقت الدول، التي اعتادت دعم الكيان المجرم، تسأل: ترى هل بدأ ركاب الأسطول بالهجوم على القوات الإسرائيلية؟

يا له من سؤال مجرم!

لقد نسينا أن الهجوم حصل خارج المياه الإقليمية لدولة الاحتلال، وأن الجريمة تمت في المياه الدولية، ليقتادوا السفن بعد ذلك إلى دولتهم المظفرة بالخزي والعار، مخضعين ركابها لجميع صنوف الامتهان والاعتداءات، غير "مقصرين" في حق مواطني دولة يقال إنها أهم حليف استراتيجي لإسرائيل في المنطقة: تركيا، فقتلوا من قتلوا منهم، واقتادوا الباقين إلى "ميزان عدالة الاحتلال المجرم".

سيتوجب على إسرائيل أن تأتي بتبريرات "عظيمة" عن الأسباب التي دعتها للتخطيط لهذه الجريمة وتنفيذها بأبشع صورة؛ مثلا أن تقول إن السفن كانت تحمل سلاحا نوويا إيرانيا لمصلحة حركة حماس، وإن الحركة كانت ستستعمله لا محالة في "محو" الدولة العبرية.

سيتوجب على قادة الاحتلال أن يأتوا بتبريرات "عبقرية" لتجاوز آثار جريمتهم البشعة، ولا بأس من القول إن تلك "الأكاذيب" لا بدّ ستلقى آذانا مصغية من دول ترعى دولة الاحتلال، فوظيفتها ظلّت على الدوام مسح آثار الدماء عن أيدي المجرم.

لقد عايشت وجيلي عددا كافيا من النكبات والنكسات والمذابح، لنتيقن من أن الدم العربي، خصوصا الفلسطيني، رخيص جدا، وهو في أحسن أحواله ينفع أن يكون سوقا لبورصة الانتخابات الإسرائيلية، حين يبدأ السباق الكبير بين أحزاب الاحتلال، مستعرضة قدرتها الفائقة على سفكه بسهولة، لتفرح بقصب السبق من "شعبها المحب للسلام"، ولنصطدم بعد ذلك بمتحدثين من خارج دولة الاحتلال، يسوّقون للجرائم ويسوّغون لها.

خبراتي وجيلي تلك، هي التي جعلتنا نكفر بـ "خيرات السلام"، فلم تنخدع أعيننا ببريق الدولة العنصرية التي حاولت على الدوام أن تقيم مجدها على أشلائنا.

ما يحدث في غزة اليوم هو أكبر من أن تساق الأمثلة لتقريبه إلى الشبه. هو "هولوكوست" بكل ما تعنيه الأبعاد التاريخية للكلمة التي يحاول اليهود أن يبقوها دائما ماركة مسجلة لمعاناتهم.

"الهولوكوست الفلسطيني" اليوم، يُظهر تجليات العنصرية الصهيونية، وهي تحاول بأقسى ما تستطيعه من قوة ظالمة، أن ترسم صورتها البشعة على جسد غزة المدمى، لتمنع عنها حتى المساعدات الإنسانية التي قد تبعد الموت، لأيام فقط، عن طفلة تحتاج دواء ما، أو تلم فرقة عائلة داخل خيمة، بعد أن "تبخر" بيتها في عدوان همجي تابعه العالم من على شاشات التلفزة، حاولت إسرائيل خلاله إبادة شعب كان ذنبه أن الاحتلال قرر إقامة "وطنه القومي الواهي" على أشلائه.

الجريمة الأخيرة للاحتلال في حق "أسطول الحرية" لا يمكن فهرستها ضمن الادعاءات الإسرائيلية المكرورة التي تتبجح فيها باستمرار بأنها تدافع عن أمنها وأمن شعبها، والدموع التي سيسفكها قادة الحرب الإسرائيليون، هي أشبه ما تكون بدموع التمساح في ميكانيزميته الجسدية بعد ابتلاع الضحية!

اضافة اعلان

إنها دموع عهر لا يجب أن تنطلي علينا.. رغم أنني أشك في ذلك، فذاكرتنا قصيرة المدى.. وسوف ننسى سريعا جرائمهم كلها!

[email protected]