جرار: الثقافة تعاني أزمة بسبب انحصارها ضمن النخب الضيقة

وزير الثقافة د. صلاح جرار يتحدث في اللقاء الحواري وإلى يساره رئيس الرابطة د. موفق محادين-(تصوير: محمد مغايضة)
وزير الثقافة د. صلاح جرار يتحدث في اللقاء الحواري وإلى يساره رئيس الرابطة د. موفق محادين-(تصوير: محمد مغايضة)

مدني قصري

عمان- كانت النخبة المثقفة الأردنية والعربية على موعد مساء أول أمس مع وزير الثقافة الدكتور صلاح جرار، في لقاء ثقافي شامل وثري وحميمي ومفتوح نظمته رابطة الكتاب الأردنيين ضمن سلسلة حوارياتها الثقافية الأسبوعية. اضافة اعلان
في البداية رحب الكاتب موفق محادين الذي أدار الأمسية، بالوزير صلاح جرار، عضو الرابطة وصاحب التجربة الطويلة في الشأن الإداري والثقافي والأكاديمي، أردنيا وعربيا، مُثمنا دوره وجهوده المتواصلة الواعية في رفع الشأن الثقافي والعمل على ترقيته وتكريسه في شتى المجالات الفكرية والإبداعية. 
وآثر الضيف جرار أن لا يركز في الأمسية الثقافية التي حضرها عدد كبير من المثقفين، على موضوعٍ بعينه، وأن يترك الحوار مفتوحا ومنفتحا على الشأن الثقافي في الأردن وخارج الأردن.
وأكد في البداية "أن التنوير هو الرسالة التي ننهض بها ولذلك فلا ننتظر من أحد أن يقوم بهذه المهمة المقدسة بالنيابة عنا". كما حرص الوزير على الإشادة القوية والصادقة بالدور المميز الذي تؤديه رابطة الكتاب الأردنيين في تكريس المشهد الثقافي الذي بات ملموسا للجميع، وهنأ أعضاء الرابطة على البرنامج الثقافي الثري الذي عرضه محادين والمتمثل في عقد حواريات ثقافية أسبوعية متواصلة ستعمل بالتأكيد على نشر المزيد من الوعي الثقافي ومن التواصل الدائم بين المثقفين، سعيا للارتقاء بالمشهد الثقافي نحو آفاق أوسع من الإبداع والإنجاز.  
وفي اللقاء تحدث الوزير عن تجربته التي امتدت لسنوات طويلة في شتى حقول المعرفة والثقافة، فاستعرض مختلف المجالات التي عمل فيها والقضايا ذات العلاقة بتخصصه الأكاديمي والتعليمي والإبداعي، من خلال مسارات عدة، كالدراسات التراثية العربية، والدراسات الأدبية الأندلسية التي تخصص فيها فكان معظم إنتاجه فيها، والدراسات التراثية الأردنية، والمقالات الصحفية في مختلف المجلات، ثم محاولاته الإبداعية في كتابة النص الأدبي، ومنها كتابه الإبداعي "المنامات الأيوبية" الذي يضم أربعين قصة حذا فيها المؤلف جرار حذو مقامات بديع الزمان الهمذاني، وهي تتناول قضايا عصرية، إذ يُعبّر معظمها عن الحلم العربي في البناء والتقدم، لكن البطل فيها كان يستيقظ في كل مرة على واقع مر، وهو الواقع الذي يعيشه كل عربي.
ووضّح جرار أن اهتمامه قد انصب في هذه القصص الإبداعية على الشعر الأندلسي، وعلى الحضارة الأندلسية التي تخصص فيها، وعلى قضايا اللغة العربية والنقد الاجتماعي. ومن خلال هذه القصص الهادفة حاول أن يقف على عناصر خفية في الحضارة الأندلسية من خلال قراءة النصوص الأندلسية، كالمسرح الأندلسي، مؤكدا في هذا الشأن أن خيال الظل، مثلا، كان موجودا في تلك الفترة المزدهرة في الأدب الأندلسي، وبذلك يكون الأندلسيون قد سبقوا عصر المماليك بفترة زمنية طويلة.
وأكد وزير الثقافة أن هذه الحقائق تستند إلى أدلة واضحة تُثبتها النصوص الأدبية الأندلسية التي تناولها بالبحث والدراسة.
ومن القضايا اللافتة التي تحدث عنها الدكتور جرار عثوره في هذه الدراسات على وسائل تقنية خاصة كانت شائعة لدى الأندلسيين، ومنها الطريقة التي تساعد المكفوفين على القراءة التي كانت شائعة في الأندلس، وهي الطريقة التي تجعل الحروف بارزة على الورق ما يسمح للمكفوف بالقراءة عن طريق حاسة اللمس. وبذلك يكون الأندلسيون، يقول الوزير، قد سبقوا طريقة "بريل" الغربية بقرون عديدة.
واكتشف جرار في بحث آخر نصا يصف قبة فلكية اخترعها أحد العلماء في الأندلس، كانت تضم البرق والرعد والغيوم وغيرها، كان صاحبها يستعمل تكنولوجيا عالية في تشغيل هذه القبة. وفي بحث آخر اطلع الباحث جرار على وسائل ميكانيكية متطورة كان يستعملها الأندلسيون، ومنها الأبواب الميكانيكية التي تُفتح تلقائيا، إذ يُفتح البابُ تلقائيا قبل وصول الشخص ويُغلق بعد دخوله تلقائيا. ومن اكتشافات الدكتور جرار أيضا رياضة مصارعة الثيران التي اشتهر بها الأندلسيون، مؤكدا أن أدلة كثيرة تشير إلى أن العرب هم الذين اخترعوا هذه الرياضة.
 وأخيرا تحدث الوزير عن قضايا لغوية أندلسية، فقدم أمثلة كثيرة عن آثار اللغة الإسبانية على العربية الدارجة، وآثار اللغة العربية على اللغة الإسبانية.
ومن التجارب الثقافية والفكرية التي استعرضها الدكتور صلاح جرار كتب ثلاثة تميز بها وهي: "ديوان الحمراء" المتكون من مجموعة من القصائد والمقطوعات الشعرية التي تضمها جدران الحمراء، وقد وثق هذه الأبيات من خلال صور فوتوغرافية حية أخذها عن مخطوطات جدران قصر الحمراء، فصارت عنده ديوان شعر كاملا متكاملا. ثم كتابه "جنّة الرضا"، وقيمة هذا الكتاب، كما قال، تتمثل في كونه يتحدث عن 50 سنة ظلت مجهولة تماما في حياة الأندلسيين، إذ يغطي الكتابُ هذه الفترة الزمنية شعرا ونثرا. أما كتابه الثالث فهو "أدباء مالق". وتحدث جرار في الأخير عن تجربته الصحفية الطويلة التي بلغت مقالاته فيها نحو 1500 مقالة، تناولت الفكر والاجتماع، وكان التركيز فيها يقع على الممارسات الاجتماعية الخاطئة.
بعد أن استعرض الدكتور صلاح جرار تجربته الفكرية والإبداعية الثرية أشاد الحاضرون بجهوده المتواصلة في إثراء الثقافة العربية، بما كشفه من جديد حول اكتشاف الجانب العلمي عند الأندلسيين عن طريق الأدب، وثمّنوا أيضا "مناماته" القيمة التي أضافت الكثير للثقافة العربية. وقد تنوعت المواضيع التي طرحها المثقفون على جرار تعقيبا على ما قدّمه لهم من موضوعات، ولم يتردد هؤلاء في توجيه أسئلة وجيهة إلى الوزير فيما يتصل بدور الوزارة في نشر الثقافة بين الجميع، وهو ما لم يتحقق لحد الآن لاقتصار الثقافة على النخب دون سواها.
وأكد الوزير في هذا الشأن أن الثقافة التي تعاني أزمة بسبب انحصارها ضمن النخب الضيقة - حيث لا يهتم بأي شأن ثقافي سوى من كان على صلة مباشرة بفعالية ثقافية بعينها - يحب أن تتوسع لكي تصبح شأنا عاماً يهم الجميع، وأن تصبح أولوية من أولويات الحياة، مثل الخبز والماء تماما.
ولذلك، قال الوزير، يجب أن تسعى وزارة الثقافة إلى تحقيق ذلك، لكنها تحتاج إلى برامج وصبر ووقت طويل، وإلى وسائل إعلامية، وعلى الخصوص إلى قناعة الجميع وقناعة المسؤولين المعنيين. وردا على سؤال يتعلق بما أضيف للبلدان الثقافية بعد أن أصبحت عواصم للثقافة الأردنية قال الوزير إن الذي أضيف لهذه المدن هو أنها عرّفت بالمبدعين وبإنتاجاتهم الأدبية والفكرية، وبما أنجز في هذه المدن الثقافية من مطبوعات استفاد منها المثقفون والمبدعون.
وفيما يتعلق بمجلات وزارة الثقافة الثقافية وردًّا على أحد الحاضرين الذي اقترح تقديم إسهامات لدعمها رد الوزير بالقول "إنه ليس هناك مانع من تسويقها لكنّ المهم هو وصول هذه المجلات إلى القارئ"، مركزا على أهمية تطوير هذه المجلات شكلا ومضمونا. ومن الموضوعات التي أثيرت في هذا اللقاء حرصُ البعض على أن تكون الوزارة صاحبة قرار في تحديد مسار الثقافة وتطوير اللغة التي تتراجع أمام غزو اللغات الأجنبية، وفي تعميم الثقافة على الجميع حتى لا تظل حكرا على النخب دون سواها.

[email protected]