جرعة أمل

هنالك نظرتان متضادتان نحو "الأمل". فالنظرة المتفائلة يمثلها قول الشاعر العربي "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل". أما النظرة المتشائمة فيمثلها قول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه "في الحقيقة أن الأمل هو أسوأ الشرور لأنه يطيل أمد عذاباتنا".اضافة اعلان
وبين هاتين النظرتين، هنالك مقاربات عمليه. فالصحفي والكاتب الأميركي روبرت بولت يقول: "لو كان الأمل واليأس طريقين يقودان الى نفس النهاية، فأي الطريقين تختار السير فيه؟". وهذا الاقتباس هو الذي سأنطلق منه اليوم.
وأسأل نفسي ما الذي يقلق الناس كثيراً الى هذا الحد؟ فالإحصاءات التي بين أيدينا لا تعكس حالة سيئة، سواء نظرت الى أعداد السيارات، واستهلاك اللحوم، وشراء الهواتف النقاله، واستخدام الانترنت (الشبكة العنكبوتية)، والذهاب للمطاعم، واستهلاك الكهرباء، والاسمنت، والحلويات، والذهاب في رحلات سياحية وغيرها من كل المؤشرات.. وإذا نظرت الى مستوى البيوت والشقق في معظم مناطق الأردن فإنها لا تقل مستوى عن دولة في أعلى متوسط الدخول.
إذاً فالقضية ليست استهلاكية بالدرجة الأساسية. صحيح أن هنالك فقراء، وأن هنالك عاطلين عن العمل. وكثيرون منا مدينون للبنوك. ولكن متى لم يكن هذا هو الحال حتى في أحسن الظروف؟
وإذا قسنا الأمور بمنظار التعليم والصحة. فالأردنيون صاروا يشكون من أمراض الإفراط في الأكل، والراحة، والجلوس الى المكاتب وفي السيارات. وإلى الحواسيب، وفي المقاهي، والمطاعم، مع أكل لا يخلو من الدسم وإلا فكيف نفسر مظاهر البدانة، والسكري، والنقرس، والكوليسترول، وانسداد الشرايين؟
وهل تعرفون مجتمعاً غربياً يقدر فيه أب لأربعة أو خمسة أن يعلمهم جميعاً في الكليات والجامعات داخل البلد أو خارجه؟ هل يرضى أي أردني لابنه أو ابنته ألا تتعلم جامعياً إذا حصلت على معدل ناجح في امتحان الثانوية حتى ولو كان متدنياً؟؟
أم أن كل هذا التشاؤم يعكس حالة قلق من المستقبل المجهول؟ هل تعرف كيف ستؤول الأمور في فلسطين؟ هل تدري كيف سينتهي العنف والبطش في سورية؟ هل ستبقى العراق موحدة؟ هل ستثور حرب في الخليج؟ هل سيسمح الرئيس الأميركي لإيران أن تصبح قوة نووية؟ وكيف ستؤثر كل هذه التطورات علينا؟
وماذا عن الوضع في الداخل؟ هل نعرف كم سيبلغ العجز في الموازنة مع نهاية العام؟ هل سنقبل بمجلس النواب الجديد حتى ولو جرت انتخابات لا لبس فيها ولا شكوك حول نزاهتها؟ هل نرضى بأي حكومة ستأتي؟ هل يعجبنا أي كلام غير كلامنا؟ هل سنصدق بعضنا بعضاً؟ هل الفساد قد بلغ الحد الذي نتحدث عنه أم أن المخفي أكبر أم أنه أقل مما يشاع ويقال؟
ليس لدينا أجوبة عن كل هذه الأسئلة، ولكن كيف سنواجه التحدي باليأس والتشاؤم والقنوط؟ وأعود هنا الى ما قاله القس فنسنت ماكناب الإيرلندي وأستاذ العلوم الدينية في بريطانيا في أوائل القرن الماضي "إن الأمل هو النعمة الإلهية التي تمكننا من السيطرة على مخاوفنا، وليس طردها والتخلص منها". أوليس هذا تفسيراً لقول الله تعالى في محكم التنزيل "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه"؟؟.

[email protected]