جروب "شعب الأردن"!

ما حدث خلال الأيام الماضية من تسارع لتداول الأخبار وملحقاتها، أمر يدعو للتفكر قليلا في ماهية هذا الشعب وكيفية تعاطيه مع القضايا العامة.
ما جعلني أستوقف نفسي بشكل شخصي هو رسالة من صديقة مقربة في القاهرة، عبرت فيها عن مدى اندهاشها من "تورط"، كما أحبت أن تطلق المعنى، الشعب الأردني بأطيافه وشرائحه وتقسيماته المختلفة، في القضايا المتداولة عموما، وتلك التي تخص السياسة والاقتصاد بشكل خاص.اضافة اعلان
أخبرتني صديقتي عن استغرابها وكثير من المتابعين في جمهورية مصر، من طريقة التعليق والمتابعة وملاحقة أدق التفاصيل، التي من المفترض حسب كلامها، لا يجب أن تكون بين أيدي العامة من حيث الأساس.
هذه الملاحظة جعلتني أتتبع فعليا الحراك الدائر مؤخرا حول قضايا فساد طرحت هكذا على الملأ، مما يدعو إلى الفخر بالطبع لوصولنا أخيرا إلى مرحلة المكاشفة "شبه النهائية" ما بين المسؤول والشعب. إنما المثير للانتباه حقا، هو حجم الارتياح الكبير في التدخل بأدق التفاصيل وأصغرها، حتى تلك التي لا تقدم ولا تؤخر بمجريات الأحداث، على الأقل بالنسبة للناس غير المعنيين في الموضوع.
جميعنا نتكلم في الوقت نفسه، وكلنا نسمع ونشاهد ونقرأ في الوقت نفسه! وكأننا فعلا أعضاء في مجموعة "واتس آب"، نجتمع على اهتمام واحد وصفات متشابكة، نختلف ويعلو صراخنا، نضحك وتسمع ضحكاتنا الشوارع، نبكي ونتخيل، نؤلف وننشر إشاعات ثم نسارع لتكذيب الأكاذيب، ونعاود لنبتكر مجددا أخبارا، فيعود الصراخ والضحك والبكاء، ولكننا نؤدي الدور نفسه الذي نعتقد أنه من أقل حقوقنا وأبسط واجباتنا، ولو بطرق متقاطعة.
وتماما كأي مجموعة تواصلية كبيرة العدد، تشتغل ليل نهار، بدون استراحة ولا إجازة، إلا إن كانت توافقية، تصحو من نومك لتجد مئات الرسائل غير المقروءة، فتجدد العهد لعينيك وبطارية الشحن لتنطلق من جديد! والجميل بل والأليف في الموضوع أن اللغة بأخطائها وعثرات الكلام وتشابك النوايا هي لغة مفهومة معبرة مقبولة من الغالبية العظمى، وكأن وسيلة التواصل الأولى تجاوزت دورها في المغالطة والمحاسبة، وصارت تغض الطرف عن المعاني لتقفز فورا إلى المقاصد.
وليس سرا أنه لولا انحسار القضايا الملتهبة في الجانب السلبي من حياتنا، لما كان هذا التلاحم والتداخل والانصهار التام في الحوار المفتوح العام. فبطبيعة الأحوال لن تجتمع أمة على فرح، مثلما تكون في النكبات.
هذه الفوضى المتوحدة على أن تكون شارع الاعتصام ضد الفساد والمحسوبيات والاستقواء على الضعفاء، هذا التماهي في القصص والتفاصيل والنكات ورسائل ما بين السطور، تلك المشاعر والقرارات الجمعية غير القابلة للخذلان من بعض الصفوف المكدرة، على أصحاب القرار أن يتعاملوا معها بشكل جاد وعلمي بل وبحثي إن صحت النية. لأن الشعب في العادة، أينما كان، لا يشكل صوتا واحدا ولا يفكر بطريقة مجتمعة كما يحدث عندنا، إلا أولا لأنه وعلينا الاعتراف، نمتلك مساحات تعبيرية واسعة نوعا ما، وثانيا لأن ما يجري مؤخرا في الردهات الخلفية من "بلاوي" يتناسب عكسيا مع قرارات الرفع والضريبة والغلاء. وهذا سبب كاف لتشكيل حزب في الظل، بل في العلن بدون أن يطلب ترخيصا أو مقرا أو حتى اشتراكات!
هذا الحزب، بإمكانه أن يصبح ببساطة الحزب الحاكم لو وجد يدا قوية شجاعة ماكنة، تأخذ بيده وتجعله صوتها بدل أن تكون هي صوته وصورته، إلى الأبد.
هذا الحزب المتعلم العاطفي المثقف التلقائي، بإمكانه أن يصبح سدا منيعا في ظهر البلاد، لو أن تلك الأخيرة عرفت من أين تدخل إليه وكيف تصطف معه، للهدف الوطني الواحد.