جريمة إن صحت الادعاءات

قبل أن نعلّق على الجدل الدائر حول وجاهة الدعوة إلى التحقيق في برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي، ينبغي التوقف عند تصريحات "المصدر المطلع" لصحيفة "الغد" التي قال فيها إن مسؤولا سابقا قام بإتلاف جميع ملفات البرنامج الالكترونية، وأحرق الملفات الورقية.اضافة اعلان
إننا أمام ادعاءات خطيرة، تستدعي من جهات التحقيق المختصة فتح تحقيق فوري لبيان صحة هذه الأقوال من عدمها. فالملفات في هذه الحالة هي وثائق رسمية، إتلافها أو حرقها جريمة يعاقب عليها القانون، وهي ملك للدولة لا يحق لأي مسؤول التصرف بها. وتكتسب أهمية استثنائية كونها تتعلق بإنفاق ما يزيد على نصف مليار دينار من أموال الخزينة العامة.
والتحقيق في أمر كهذا لا يحتاج إلى وقت طويل، إذ يكفي أن يطلب قاضي التحقيق الوثائق المذكورة من وزارة التخطيط، وإذا لم يجدها، فإن الركن الأول من الجريمة يصبح بينا، ولا يبقى على التحقيق سوى العثور على مرتكب الجرم لينال عقابه.
تعاطي الجهات الرسمية مع ملف "برنامج التحول" منذ البداية كان أنموذجا فاقعا على الانتقائية في معالجة قضايا الفساد، وتعبيرا حيا عن غياب الشفافية التي رافقت البرنامج منذ إطلاقه قبل عشر سنوات.
حاول مجلس النواب الخامس عشر فتح تحقيق في أوجه إنفاق أموال "التحول"، لكن قوى متنفذة مارست عليه ضغوطا كبيرة، أجبرت لجنة التحقيق النيابية في ذلك الحين على إصدار صك براءة للبرنامج والمسؤولين عنه جاء في ثلاثة أسطر!
ومنذ ذلك الحين ظل البرنامج وأبطاله محميين من مجرد السؤال، ولم يتمكن البرلمان أو غيره من جهات الرقابة في الدولة الاطلاع على التقييم الذي أجرته إحدى المؤسسات المختصة لنتائج البرنامج بعد سنوات على تطبيقه.
لكن الدعوات بفتح تحقيق لم تتوقف، لا بل إن استدعاء القائمين عليه أصبح مطلبا رئيسيا للحراك الشعبي، وامتحانا لمدى جدية الدولة في مكافحة الفساد، وتأكيداتها المتتالية بأن لا أحد محصنا من المحاسبة.
وفي مثل هذه الأجواء، يبدو مستغربا بحق أن يستقيل عضو في هيئة مكافحة الفساد لأن الهيئة امتنعت عن فتح تحقيق في برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي. فإذا صحت ادعاءات العضو المستقيل في هذا الخصوص، فإن أحدا لن يأخذ تصريحات المسؤولين على محمل الجد، وستفقد سياسة مكافحة الفساد مصداقيتها.
يبدو أن الجدل الذي أثير حول البرنامج، بالتزامن مع استقالة عضو هيئة مكافحة الفساد عبدالرزاق بني هاني، دفعت بنواب إلى طلب تشكيل لجنة تحقيق في "التحول الاقتصادي والاجتماعي".
ما نأمله هذه المرة أن لا يخضع النواب للضغوط، وأن يتمسكوا بدورهم الرقابي، لعلنا نرى نهاية تشفي الغليل.