جريمة الموقر.. أين الخطأ؟

ما تزال السلطات الرسمية تتكتم على تفاصيل جريمة "الموقر" التي راح ضحيتها خمسة أشخاص. وما يتوفر من معلومات في وسائل الإعلام، يعود في معظمه إلى تسريبات غير رسمية، وغير مؤكدة.اضافة اعلان
التصريحات الرسمية التي أعقبت الجريمة كانت في العموميات، ومشوشة إلى حد كبير، لا بل متضاربة في مفاصلها الرئيسة. وهو ما منح المتصيدين فرصة لتأويل الوقائع، وبناء رواية جديدة للأحداث تقدّم مرتكب الجريمة البشعة على أنه شهيد!
من حق جهات التحقيق أن تأخذ الوقت الكافي للإحاطة بتفاصيل الحدث، وجمع الأدلة والاستماع لشهادة الشهود، وفحص أجهزة الهاتف النقال والحواسيب والسلاح المستخدم في الجريمة، وغير ذلك من معلومات تم جمعها من الميدان.
لكن الزمن تغير؛ "الميديا" تعمل على إنتاج الروايات بسرعة البرق، والآلاف من المغردين ونشطاء "فيسبوك" يملؤون الفراغ بكم هائل من القصص والترهات في أحيان كثيرة، وبوسعهم أن يختلقوا الأحداث ويسوّقوها على أنها حقائق. وثمة جمهور عريض من الناس الذين يميلون، وبشكل فطري، إلى تصديق كل ما ينشر على "فيسبوك"، من دون تدقيق في المصادر والمراجع، وتكذيب، أو في أحسن الأحوال التشكيك في الرواية الرسمية، حتى قبل الاطلاع عليها؛ فكيف الحال في غياب الرواية من أصلها؟!
وفي جريمة "الموقر" تحديدا، يذهل المرء من حجم التزييف الذي أصاب الوعي العام، ليجعل من جريمة نكراء عملا بطوليا، لمجرد أن من بين ضحاياه أميركيين وأجانب.
قلة من المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي "تجرؤوا" على وصف ما جرى بالجريمة؛ التيار العريض من المشاركين سقطوا في امتحان الوعي والعقل.
التردد الرسمي وغياب المعلومات، منحا الفرصة لهؤلاء لتسويق ادعاءاتهم، ونشر روايات مفبركة عن التفاصيل.
وثمة رأي كان سائدا على ما يبدو في الأروقة الرسمية، يسعى إلى التقليل من قيمة الواقعة، وصرف أنظار العالم عنها، لتجنب خسارة "صورة" الأردن كبلد مستقر وآمن. ولهذا، جرى تقنين تدفق المعلومات على نحو واضح. لكن ما حصل في الحقيقة هو أن الرواية المزيفة ملأت الفراغ الموجود. وربما لهذا السبب تراجعت السلطات الرسمية عن وعدها بكشف نتائج التحقيق في مؤتمر صحفي كان قد أعلن عنه قبل نهاية الأسبوع، وعاد التكتم سيدا للموقف.
في اعتقادي أن هذا السلوك أضر بصورة الأردن؛ داخليا وخارجيا، إذ تُرك الرأي العام رهينة للمزايدات الشعبوية والتصورات المغلوطة عن فعلة شنيعة ونكراء.
أجزم أن سلطات التحقيق الأردنية، بما عرف عنها من قدرات مهنية واحترافية، كانت بصورة ما جرى بعد ساعات قليلة على وقوع الجريمة، وكان لها أن تصدر سلسلة من البيانات التفصيلية أولا بأول، وعلى مدار اليومين التاليين للحادثة. لكنها أحجمت استنادا لاجتهادات غير موفقة، أفضت في نهاية المطاف إلى وضع السلطات في موقف الدفاع عن النفس، فيما وسائل إعلام، داخلية وخارجية، تنشر ما يحلو لها من معلومات وروايات.
لقد كان أمرا مهينا بحق لضحايا الجريمة أن تتصدر جنازة مرتكبها عناوين صحف ووكالات أنباء عربية وأجنبية. كان ذلك دليلا حيا على إخفاقنا؛ فقد صرفنا النظر عن الجريمة، فتسلطت الأضواء على المجرم.
بقى في البال سؤال: ألا يوجد في موقع الجريمة كاميرات صورت ما جرى؟ هل يعقل أن موقعا أمنيا حساسا لا تتوفر فيه كاميرات مراقبة؟ إن كانت موجودة، ما الذي يمنع نشر محتواها؟