جزائر ما بعد بوتفليقة: من أجل انتقال ديمقراطي

20190708T135715-1562583435057577900
20190708T135715-1562583435057577900

جيروم دوفال - (كاونتربنتش) 6/7/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

في الجزائر، يلخص شعار "يتنحاو قاع" (ليرحلوا جميعاً)، الإرادة الشعبية التي يتقاسمها على نطاق واسع لوضع نهاية لـ"نظام بوتفليقة". المسألة تتعلق ببدء عملية انتقال إلى "جمهورية ثانية".

  • * *
    أكتب تكريماً لذكرى رمزي يتو، الشاب الجزائري الذي ذهب ضحية للقمع، والذي توفي بعمر 23 عاماً يوم الجمعة 19 نيسان (أبريل) بسبب نزيف وإصابات في الرأس بعد تعرضه للضرب على يد الشرطة خلال المسيرة الكبيرة يوم 12 نيسان (أبريل). وهو الشهيد الثاني منذ بداية الحركة الشعبية يوم 22 شباط (فبراير) بعد حسن بن خدة، نجل يوسف بن خدة، الشخصية العظيمة في الحركة القومية والثورة الجزائرية المناهضة للاستعمار، والذي توفي يوم 1 آذار (مارس) خلال مظاهرة في الجزائر العاصمة في ظروف لم يتم توضيحها بعد. ويذكرنا موقع الأخبار الإلكتروني "كل شيء عن الجزائر" بأن "حسن بن خدة هو أيضاً ابن أخت الشهيد محمد الغزالي الحفاف، أول من لوّح بالعلم الجزائري يوم الأول من أيار (مايو) 1945، قبل أن يُقتل بوحشية على يد جنود الجيش الفرنسي".
    الآن، يتردد صدى كلمات المغني والموسيقي وكاتب الأغاني والشاعر القبائلي، معطوب لوناس، الذي اغتيل يوم 25 تموز (يوليو) 1998، منسجماً في ضوء مختلف منذ انبعاث الوعي في الجزائر: "أنا لا أتوقع شيئاً من سلطة فاسدة. ولا أتوقع شيئاً من البديل الأصولي. لا أتوقع أي شيء من سلطة منزوعة المصداقية عند كل الناس. النضج الشعبي يتجاوز النضج الحكومي في بلدنا. هؤلاء القتلة يجب أن يمثلوا أمام المحاكم. أنا مجرد شاعر شهدتُ على زمني".
    ولايات العار
    في العديد من الدول الإفريقية، يتمتع رؤساء الدول بدعم استثنائي من النظام الذي يضعونه حتى يضمنوا لأنفسهم البقاء في السلطة بأي تكلفة، حتى لو كان ذلك يعني تعديل الدستور بحثاً عن ولايات جديدة، بينما تتشقق لوحة الديمقراطية بمرور الزمن.
    في مصر، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي انتخب في العام 2014 في انتخابات ديمقراطية شابها التزوير في ظل الحكم العسكري الذي أعاد تنصيبه في صيف العام 2013، قام بتعديل الدستور لتمديد مدة ولايته الثانية من أربع إلى ست سنوات، والتي تنتهي في العام 2024، كما يعطيه التعديل الفرصة أيضاً للترشح لفترة رئاسية ثالثة… حتى العام 2030.
    في أوغندا، صادقت المحكمة العليا، في 18 نيسان (أبريل)، على إجراء يلغي الحد الأعلى لسن الترشح لمنصب الرئيس، والبالغ 75. وسوف يسمح هذا الحكم المتنازع عليه، والذي أُقِر في نهاية العام 2017، للرئيس يوري موسيفيني، الذي ما يزال في السلطة منذ العام 1986، بأن يترشح لفترة رئاسية سادسة في العام 2021. وكان قد تم تعديل الدستور مسبقاً في العام 2005، بحيث سمح له بالترشح لولاياته الثالثة، والرابعة والخامسة على رأس البلد.
    وفي الجزائر، تحول الناس، بطريقة منسقة وهائلة، إلى تجاوز المطالب القطاعية التي كانوا يثيرونها حتى الآن، منذ 22 شباط (فبراير)، حين أراد رأس الدولة، عبد العزيز بوتفليقة، أن يترشح لولايته الخامسة. وكانت هذه الانتفاضة الأكثر أهمية منذ الاستقلال في العام 1962 كثيفة جداً حتى أن بوتفليقة اضطر إلى الاستقالة يوم الاثنين، الثاني من نيسان (أبريل)، تحت ضغط الشارع والجيش.
    في الحقيقة، قام نائب وزير الدفاع، اللواء الذي يمثل القيادة العليا للجيش، قائد صالح، والذي كان قد دعم ولاية بوتفليقة الخامسة قبل أن يتراجع تحت ضغط الجماهير، باستغلال الفرصة ليدفع به إلى خارج السلطة من أجل الإبقاء على النظام قائماً.
    وهكذا تمت إضافة بوتفليقة إلى قائمة الرؤساء الدكتاتوريين الذين أطاحت بهم الحركات الشعبية من سدة السلطة، من بن علي، الذي بقي في السلطة طوال 23 عاما في تونس؛ ومبارك، الذي قضى نحو 30 عاما رئيساً لمصر، وكلاهما أطيح به في العام 2011، إلى بليس كومباوري، الذي أمضى 27 عاما رئيساً لبوركينا فاسو، والذي أُجبر على الهرب بمساعدة من فرنسا في العام 2014 -أو الأحد، عمر البشير، الذي بقي في السلطة لمدة 30 عاماً في السودان… وكان لدى هذه الشخصيات الكثير من الوقت لتتمكن من بناء نظام مفصَّل على مقاسها، والذي يصعب تفكيكه.
    وهكذا، نجح التمرد الشعبي الجزائري في إسقاط بوتفليقة. ومن المؤكد أن ذلك شكل أول انتصار، ولكنه ليس كافياً للـ"الحراك" الذي يطالب بخروج "الباءات الثلاث" أو "الباءات الأربع"، التي تشير إلى الرئيس المؤقت منذ 9 نيسان (أبريل) عبد القادر بن صلاح؛ ورئيس الوزراء نور الدين البدوي؛ والطيب بلعيز، الذي استقال مؤخراً من رئاسة المجلس الدستوري يوم 16 نيسان (أبريل) تحت ضغط من الحركة الشعبية؛ ورئيس المجلس الوطني الشعبي (مجلس النواب في البرلمان)، معاذ بوشارِب. (استقال من منصبه في أواخر الشهر الماضي أيضاً).
    يلخص شعار "يتنحاو قاع" (ليرحلوا جميعاً)، الإرادة الشعبية التي يتقاسمها الناس على نطاق واسع لوضع نهاية لـ"نظام بوتفليقة" الذي يعج بالفساد والمحسوبية. كما كان هناك أيضاً رفض قاطع للسماح لشخصيات النظام بتنظيم الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر أن تعقدها في الرابع من تموز (يوليو) حكومة عبد القادر بن صلاح -وهو عضو مخلص في حاشية بوتفليقة، وداعم قوي لترشحه لولاية خامسة- والذي يمثل نظاماً كانت فيه الانتخابات "التعددية" على مدى السنوات العشرين الماضي (التي أعيد طرحها بعد عقود من نظام الحزب الواحد من العام 1965 والحرب الأهلية في التسيعينيات)، موسومة بالتزوير الانتخابي الكبير.
    إنها مسألة بدء عملية تحول ديمقراطية، خارج المؤسسات الموروثة من نظام بوتفليقة، من أجل التحرك نحو إنشاء "جمهورية ثانية". ومن الواضح أن الجيش -أو على نحو أكثر دقة، قيادته العسكرية العليا- يشكل عقبة رئيسية، كما ظهر من فشل الثورة في مصر في التغلب على السيطرة العسكرية في الفترة الانتقالية لما بعد مبارك.
    التأثير على الدبلوماسية ودور الإعلام
    انتهت القمة الثلاثية لجامعة الدول العربية يوم 31 آذار (مارس) في تونس، لكن الدبلوماسيين العرب لم يصدروا بعد أي بيان رسمي حول الجزائر منذ إعلان استقالة بوتفليقة. وفي مصر، اتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي جاء إلى السلطة في أعقاب انقلاب عسكري خنق حركة شعبية هائلة في العام 2013، اتهم حركات الاحتجاج في دول عدة في المنطقة بأنها تقوم بتركيع "تلك البلدان". وقال في خطاب متلفز: "في الوقت الحالي، في دول منطقتنا، يتحدث الناس عن الوضع الاقتصادي وظروف العيش الصعبة. بهذه الطريقة، يقومون فقط بتدمير بلدهم ودفعه إلى الانهيار".
    في الصحافة المصرية التي تسيطر عليها -أو تكمم أفواهها الحكومة- لا يتم ذكر استقالة بوتفليقة والتظاهرات التي تضرب الجزائر، نسبياً. ومن جانبها، تقتصر الصحافة الفرنسية على الإبلاغ عن الأحداث الأكثر أهمية من دون الإحالة إلى تواطؤ الدولة الفرنسية -التي كانت قد استعمرت الجزائر لأكثر من قرن- مع النظام أو المطالبة بـ"استقلال ثانٍ" بينما يبقى الأول غير مكتمل…
    في الحقيقة، كان فقط بعد الاستقلال يوم 5 تموز (يوليو) من العام 1962 حين وضعت الجزائر نهاية لـ132 عاماً من الاستعمار الفرنسي. لكن هذا الاستقلال "الرسمي" جداً ما يزال يخلِّف مذاقاً مراً ويطالب الكثيرون باستقلال ثان مع سيادة حقيقية، والتي تضع نهاية لكل تدخل أجنبي، ولنهب البلد موارده على يد النُّخب، خاصة في منطقة الصحارى الغنية بالغاز والنفط، حيث ظهرت مقاومة قوية ضد استغلال الغاز الصخري في العام 2015. وهو رأي لا يحب النظام أن يسمعه.
    تعمل السيطرة الأجنبية في أعماق التراب الجزائري لاستخراج الموارد أكثر بكثير مما تعمل في داخل الانتفاضة المستمرة "من أجل زعزعة استقرار البلد"، كما يزعم النظام من أجل نزع المصداقية عن الحركة الشعبية. وعلى النقيض من ذلك، ومن أجل الاحتفاظ بسيطرتها الاقتصادية، لدى فرنسا كل مصلحة في "عودة سريعة للهدوء" وإلى وضع سياسي مستقر؛ ولكن بما أنها لا تستطيع أن تقف علناً ضد حركة جماهيرية هائلة، شعبية وسلمية، فإن القوة الاستعمارية السابقة تظل حذرة في تصريحاتها الرسمية.
    قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية الفرنسية، خلال رحلة إلى الجزائر في 5 شباط (فبراير) 2017، صرح إيمانويل ماكرون بأن "الاستعمار هو جريمة ضد الإنسانية". وعندما سألته مجلة "ميديابارت" الفرنسية الإلكترونية يوم 5 أيار (مايو)، أجاب: "سوف أتخذ إجراء قوياً". ويوم 8 أيار (مايو) 2019، الذكرى الحزينة لحملة القمع العنيفة التي شنها بلده ضد المتظاهرين المناهضين للاستعمار في صطيف وقالمة وخراطة، والتي خلفت ما بين 15 و20 ألف شهيد جزائري، من الضروري أن ننتقل أخيراً من الأقوال إلى الأفعال، وأن نبدأ بذكر هذه الأحداث كما كانت حقيقتها في البرامج وكتب التاريخ.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Post-Bouteflika Algeria: For a Democratic Transition