جمال عبد الناصر... سلامٌ عليك

جمال عبد الناصر، سلامٌ عليك، سلامٌ لروحك، سلامٌ ممهور بـ"ربيع عربي"، مددنا له أيدينا، وفتحنا له قلوبنا، ولكن بشائره لوثت الفكر والمعتقد، ربيعٌ حرفوه عن هدفه السامي عندما اعتبروا الغاصب، والمحتل، والقاتل، والإرهابي "صديق عزيز وعظيم"، وجعلوا من قاتل أطفال قانا، ومن قاصف بحر البقر "صديقا وفيا"، ومن سالب أرض ومشرد شعبها، ومغير اسمها، وقاتل أطفالها في دير ياسين والدوايمة، وقبية "رئيس دولة".اضافة اعلان
قالوا إنك جئت على ظهر دبابة، وقالوا إنك كنت حالما، وقالوا إنك جبار، وقالوا إنك أوصلت أحلامنا إلى قبة السماء ثم تركتها ترتطم بالأرض، وقالوا إنك منعت الرأي والرأي الآخر، وحجرت على من خالفوك الرأي والفكر، ومنعتهم من الدعوة والتمدد.
قالوا إن الزمان زمانهم، والربيع ربيعهم، والساحة لهم وحدهم، فهم جاءوا بثورة شعبية احترمناها وقدرناها وصفقنا لها، وشجعناها، وفرحنا لأنها أخرجت قيادات من رحم الشعب.
لم ننظر للمعتقد والفكر، ولم ترهبنا مواقفهم المسبقة منك، ورجونا أن يكون الله قد بدّل ما بأنفسهم، وفتح عليهم، خاصة أنهم جاءوا بعد حاكم أوصل مصر التي أحببناها إلى مدارك لم نرِدها، وجعلها تابعا بعد أن كانت سيدة المنطقة والإقليم.
نسجنا مواقف كنا نرغب، نحن الشعوب العربية، أن يساعدونا على تحقيقها، إذ لم نكن نحلم بتحرير القدس فورا، ولا إعادة الأرض المسلوبة قصرا، ولكنا كنا نأمل أن تتغير المواقف، وتتبدل الاهتمامات، ونعيد الاعتبار لقضية طالما اعتبرتها أنت "مركزية" وهي القضية الفلسطينية، وتعود إسرائيل "عدوا للعرب" طالما كانت تحتل أرضا عربية، وأن نعود لنقول إن "كل بوصلة لا تشير للقدس مشبوهة".
كنا نأمل أن لا يشرعن رئيس جديد لمصر وجود إسرائيل كدولة محتلة، وأن لا يخاطب "رئيسها"، وهو الذي لم تجف دماء قانا عن يديه بعد، بـ"صاحب الفخامة، ورئيس دولة إسرائيل".
"أبا خالد"، جاء وقت، وبعد أكثر من أربعين عاما من وفاتك، جلس فيه رئيس على كرسي سبق أن جلست عليه، جاء بقوة شعبية، استبشرنا فيه خيرا وشفاء لحال أمة وصلت إلى غرفة العناية الحثيثة، ولكنه لطمنا على خدنا، وانقلب على كل ما كان يقوله لنا عندما كان حزبه لا يحكم، وأعاد سفير مصر لإسرائيل، وتبادل سفيره بمعية رئيسها أنخابا، لا نعرف حتى الان نخب من شربوا.
في الربيع العربي، كان من حقنا أن نأمل بأن تتغير الأمور، وتُعدل البوصلة، وتعود مصر "أم الدنيا" لما كانت عليه في العالمين العربي والإسلامي والمنطقة، ونُعيد تعريف العدو والصديق، وأن يَسترجع من جاء بخيار الشعب وبإرادته روح الأمة، ويبث فيها معاني العز والعنفوان.
قد يقول قائل، لماذا مصر، وهناك دول أخرى أرسلت سفراء لها لإسرائيل؟ ولكن من حقنا نحن الشعوب العربية أن نعاتب مَن رفع شعارات استبشرنا فيها كل الخير، ومن حقنا أن نعاتب ونزعل ونغضب، ممن  كان يقول في إسرائيل ما قاله مالك في الخمر، من حقنا أن نقول له، لماذا فعلت ذالك؟!، وأين ذهبت وعودك؟، وأين ذهبت مقاومة التطبيع التي كان حزبك جزءا منها؟، أم أن مقاومة التطبيع جائزة في زمان مضى، وغير جائزة بعده!!.
أيها "اليوزباشي جمال" سلامٌ عليك، سلامٌ لروحك، فأنت وإن قالوا فيك ما قالوا، ولكنك كنت ثابت الموقف والرأي، ولم تحد عن وجهة نظرك وعن معتقدك، ولم تبدل أو تتبدل.
سيدي "أبا خالد"، هم وان توددوا لإسرائيل، واعتبروا رئيسها صديقا وفيا، فإن الشعوب العربية تعرف يقينا أن إسرائيل تحتل أرضا عربية والقدس محتلة صامدة، والأقصى يرزح يوميا تحت نير محتل قاتل، وأطفالها يعانون منذ 45 عاما من إرهاب يومي يمارسه قطعان مستوطنين بحق أرضهم وشجرهم ومساجدهم وكنائسهم.

[email protected]