جمعة هادئة.. هل من مبرر للتأزيم؟

لا شيء مما كانت تتوقعه دوائر رسمية حصل. مئات من شباب الحراك والحركة الإسلامية اعتصموا في ساحة النخيل أمس لإحياء الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الحراك الشعبي الأردني. سقف الهتافات لم يتجاوز المعهود في مسيرات الحراك، فالأولوية لإصلاح النظام ومكافحة الفساد والانتخابات النزيهة واستعادة هيبة الدولة ومقدراتها. وعلى المنوال نفسه كانت مسيرات ذيبان وإربد والشوبك وغيرها من مدن المملكة.اضافة اعلان
مر يوم السادس من كانون الثاني (يناير) بسلام ولم تسجل حادثة عنف واحدة، ولم تشهد أي ساحة حالات احتكاك أو صدام، والتزم الجميع بالحفاظ على الطابع السلمي للحراك والحرص على السلم والاستقرار الأهليين. فما المبرر، إذن، لحالة الاستنفار والتأزيم السياسي والتحشيد الإعلامي طوال الأيام الماضية؟
لم يكن أحد يتوقع أن يفرّط الحراك الشعبي في المحافظات بالطابع السلمي لحراكاته بعد سنة من العمل الدؤوب الذي نجح في تحقيق إنجازات ملموسة، وما يزال ينتظره عمل كثير لإنجاز المهمات الإصلاحية باعتماد الوسائل السلمية نفسها والشعارات ذاتها من دون رفع أو تخفيض لسقفها. وليس معقولا أبدا أن ينجرّ شبان الحراك خلف أجندات أطراف خارجية أو داخلية بعد أن صهرتهم تجربة العمل السياسي والميداني، فقد أظهروا في كل المحطات قدرا كبيرا من الاستقلالية والمسؤولية الوطنية، ومثلما قاوموا ضغوط الاحتواء الحزبي والإقليمي فقد رفضوا أيضا الإغراءات الرسمية.
ورغم الارتباك الملحوظ في خطاب قادة الحركة الإسلامية بعد أحداث المفرق، والتباين في لهجة تصريحاتهم، إلا أن الموقف الرسمي للجماعة والحزب تجاه النظام لم يشهد تبدلا جذريا، فقد ظلوا متمسكين بشعارهم "إصلاح النظام" حتى الدقيقة الأخيرة من اعتصام ساحة النخيل أمس.
إزاء هذه الوضع، ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها بعد أن انقضى يوم الجمعة بسلام؟
لقد تأكد، وبالدليل القاطع، أن التيار الساحق من قوى الإصلاح غير مستعد للتضحية بالسلم الأهلي وبمكتسبات الإصلاح التي تحققت في العام الأول من الحراك. وهو قبل ذلك وبعده لن يسمح بالسيناريو الدموي الذي شهدته وتشهده دول عربية.
إن الشعور بالارتياح الذي ساد بعد انفضاض اعتصام ساحة النخيل أمس لا يشطب الآثار السيئة التي خلفتها حملة التحريض والتحشيد السياسي والإعلامي على الشارع الأردني. والمؤكد أن هذه الحملة ستزيد من حالة الانقسام والاستقطاب القائمة في البلاد، الأمر الذي يعيق خلق حالة التوافق الوطني المطلوبة لاجتياز المرحلة القادمة.
وإذا كانت قوى الحراك الشعبي والحزبي مطالبة بإجراء مراجعة نقدية لبرنامجها وسلوكها بعد السنة الأولى، فإن مؤسسات الدولة مدعوة أيضا إلى فعل نفس الشيء، ليس باعتبارها طرفا في المشهد، وإنما بكونها المظلة الراعية والقائدة للمجتمع. والمهمة الملحة في هذا السياق هي بناء تصور مشترك حيال أجندة الإصلاح واستحقاقاته خلال العام الحالي، وتحديد طبيعة العلاقة مع قوى الشارع وفعالياته؛ إذ لا يمكن أن تستمر في إدارة العلاقة بالقطعة و"الجمعة".
ذلك يتطلب البحث عن مقاربة سياسية بدل الأمنية، واعتماد وسائل جديدة في التعامل مع الشارع غير التحشيد والتأزيم الذي يرتد كوارث على الجميع.