جنوب اليمن يتجه ببطء نحو الاستقلال.. ولكن، بأي كُلفة؟

Untitled-1
Untitled-1

تقدير موقف - (مركز التنبؤات الاستراتيجية، ستراتفور) 19/9/2019
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

ما يزال الائتلاف الهش المناهض للحوثيين في اليمن يقاتل حركة التمرد منذ العام 2015. لكن هذا التحالف عانى منذ فترة طويلة من الفصائلية، التي تجلت في الآونة الأخيرة في العنف الذي احتدم في جنوب البلد بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية المعترف بها في الأمم المتحدة.
إضاءات
• سوف تمنح المعركة الأخيرة للسيطرة على عدن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة مزيداً من النفوذ السياسي لمتابعة السعي إلى تحقيق هدفه المتمثل في الاستقلال الجنوبي.
• سوف يستمر هذا الواقع في تأجيج الصراع مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، وهو ما يجهد تحالف الرياض وأبو ظبي في اليمن في هذه العملية (حتى بينما تبقى شراكتهما متماسكة في المسارح الأخرى).
• كما سيمنح هذا القتال للحوثيين والجماعات الجهادية فرصة لتحقيق مكاسب محدودة في أماكن أخرى من البلاد؛ حيث يركز التحالف الذي تقوده السعودية على منع المجلس الانتقالي الجنوبي من كسب المزيد من الأرضية في الجنوب.
• قد تدفع مثل هذه المخاطر الأمنية الطرفين في نهاية المطاف إلى تأجيل معركتهما الحالية، على الرغم من أن الانفصاليين الجنوبيين سيستمرون على الأرجح في استخدام مكاسبهم للمطالبة بمزيد من الحكم الذاتي في مستقبل اليمن.

  • * *
    منذ العام 2015، أصبحت مدينة عدن اليمنية الجنوبية موقعاً للعديد من المصادمات الكبرى بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها من الأمم المتحدة من جهة، والمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى. لكن المعركة الأخيرة بين الشركاء المتحالفين اسمياً في المعركة ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران، تركت المدينة للمرة الأولى تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حد كبير -في إشارة إلى قدرة المجموعة الانفصالية على أخذ الأرض من الحكومة اليمنية والاحتفاظ بالسيطرة عليها.
    متسلحاً بثمار سنوات من الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الذي قدمته له دولة الإمارات العربية المتحدة، أصبحت لدى المجلس الانتقالي الجنوبي الآن الفرصة لبناء مؤسسات ظل وقدرات حكم في عدن، وهو ما سيكون من شأنه أن يقرب المجموعة أكثر من تحقيق هدفها النهائي المتمثل في استعادة يمنٍ جنوبي مستقل. لكن القيام بذلك سيعني سحب الموارد من ساحات المعارك الأوسع التي يشنها التحالف بقيادة السعودية ضد المتمردين الحوثيين والجماعات الجهادية -وربما استدعاء رد فعل عنيف من الجنوبيين الآخرين الذين يسعون إلى المطالبة بمستقبل في البلد التي مزقته الحرب.
    مطاردة حلم الاستقلال
    في الأول من آب (أغسطس)، أصاب صاروخ حوثي عرضاً عسكرياً للتحالف في مدينة عدن الساحلية، وهو ما أدى إلى مقتل قائد معروف من المجلس الانتقالي الجنوبي وما يصل إلى 46 آخرين. ولكن، بدلاً من الانتقام من الحوثيين، ألقى المجلس الانتقالي الجنوبي باللوم على إدارة هادي، مدعياً بأن حركة الإصلاح التابعة لجماعة الإخوان المسلمين (وهي حليف اسميّ لهادي) ساعدت في الهجوم. ومنذ ذلك الحين، بدأ المجلس الانتقالي الجنوبي حملة ضد حكومة هادي، بل إن داعميه الإماراتيين شنوا غارات جوية على القوات المتحالفة مع هادي في 29 آب (أغسطس). وبعد أن هدأ الغبار، احتفظ المجلس الانتقالي الجنوبي بالسيطرة على عدن -تاركاً إدارة هادي بلا نفوذ يذكر في المدينة الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية في جنوب اليمن.
    بسيطرته على عدن، لم يكن تميز المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة اليمنية أكبر في أي وقت مما هو الآن. لكن المجموعة ما تزال تواجه عقبات كبيرة في طريق السعي إلى تحقيق تطلعها الذي لطالما سعت إلى تحقيقه، والمتمثل في استعادة اليمن الجنوبي. من ناحية، ما تزال الدبلوماسية الدولية حول اليمن تتركز إلى حد كبير على الصراع بين هادي والحوثيين. ولم يُظهر الداعمون الرئيسيون للتحالف المناهض للحوثيين -أي الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية- أي علامات على تغيير في موضع هذا التركيز، لأنهم يرون أن الجنوب والمجلس الانتقالي الجنوبي يلعبان في النهاية دوراً ثانوياً صغيراً في ظل حكومة يمنية موحدة. وفي الواقع، في منطقة مثقلة مسبقاً بالنزاعات الحدودية وأشباه الدول، ما يزال احتمال بيع يمن مقسم مرتقى صعباً من زاوية نظر عالمية.
    من دون السيطرة الكاملة على الجنوب، ما يزال يتعين على المجلس الانتقالي الجنوبي الحصول على المزيد من النفوذ الميداني على الأرض، والذي يحتاجه للدخول طرفاً في هذه المحادثات الدولية. ولن يكون توسيع نفوذه بالأمر السهل، لأن المنظمة التي يشكلها لا تمثل جميع الشرائح الواسعة من الفصائل والقبائل والمواطنين. وبالنظر إلى موقع القوة الذي يتمتع به في عدن، فإن لدى المجلس الانتقالي الجنوبي خلافات أيديولوجية وسياسية مع المحافظات الداخلية في جنوب اليمن، مثل حضرموت والمهرة. كما أن لدى زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، منافسون على السلطة في الجنوب.
    وهكذا، يظل تحقق يمن جنوبي مستقل حلماً بعيد المنال. ولكن، ما يزال بإمكان المجلس الانتقالي الجنوبي أن يعمل في الغضون على تكوين سيادة بحكم الأمر الواقع من خلال السيطرة على أكبر مدينة في المنطقة. وبفعله ذلك، سيقوم المجلس الانتقالي الجنوبي ببناء قدرة الحكم بالتدريج، وسوف يتمكن بعد ذلك من استخدام المدينة كقاعدة لتوسيع سلطته إلى مناطق جديدة تسيطر عليها الآن إدارة هادي. كما يستطيع أيضاً استخدام ميزة السيطرة على عدن للحصول على قول أكبر في حكومة وطنية موحدة -وهو ما يزيد من فرص أخذه على محمل الجد في الدبلوماسية الدولية الخاصة باليمن.
    الانقسام السعودي-الإماراتي
    يمكن أن يعزى النجاح الذي حققه المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخراً في عدن جزئياً إلى خلاف سياسي طويل الأمد بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وما يزال الإماراتيون والسعوديون متحالفين -ظاهرياً- في القتال ضد المتمردين الحوثيين لاستعادة سلطة هادي المدعومة من الأمم المتحدة على البلاد. لكن أبو ظبي تعمل أيضاً على تحديث استراتيجيتها الإقليمية بحيث تضع تركيزاً أقل على تهديد الحوثي في اليمن وتركز أكثر على تعزيز مكاسبها من خلال الوكلاء مثل المجلس الانتقالي الجنوبي. وقد ترك هذا التحول الرياض مهجورة في مسالك وعرة. وبينما تستمر المملكة العربية السعودية في الضغط على الحوثيين على نطاق واسع، قرر الإماراتيون -من جانب واحد على ما يبدو- تخفيض أولوية هذا الجهد لصالح الحفاظ على نفوذهم في جنوب اليمن، وخاصة في مدن الموانئ الرئيسية مثل عدن.
    على الرغم من هذا الصدع المتزايد بين الدولتين، سعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى عرض صورة للوحدة في سياستهما اليمنية. لكن أعمال أبو ظبي على الأرض تحكي قصة مختلفة. فبعد قيامهم بضرب القوات المتحالفة مع هادي دعماً للمجلس الانتقالي الجنوبي في 29 آب (أغسطس)، أعلن الإماراتيون على الفور وبشكل علني مسؤوليتهم عن الهجوم. وأظهرت هذه الخطوة أن مجلساً انتقالياً جنوبياً مزدهراً بالنسبة لأبو ظبي يتمتع الآن بأهمية أكبر من حكومة يمنية شرعية وموحدة، على الأقل في ظل إدارة هادي، التي لها علاقة متوترة مع أبو ظبي.
    يجيء تحول استراتيجية الإمارات العربية المتحدة نتيجة للعديد من العوامل. وعلى سبيل المثال، أدى الخطر المتزايد من الانغماس في مواجهة أميركية-إيرانية متزايدة الاحتمال، إلى التقليل من ميل أبوظبي إلى تحمل المخاطر بشكل عام في منطقة الخليج. وفي هذه الأثناء، في اليمن، ظل الوضع العسكري مع الحوثيين راكداً إلى حد كبير منذ أن شنت القوات الإماراتية هجوماً في العام 2018 ضد مدينة الحديدة الساحلية. ونتيجة لذلك، أصبح وضع القوات على الخطوط الأمامية ضد الحوثيين يأتي بمكاسب تقل باطراد خلال العام الماضي -ووضع أبو ظبي في مصلب تصويب المتمردين، بينما يبني الحوثيون قدراتهم لضرب الأراضي الإماراتية نفسها. وما يزال الحلفاء الرئيسيون، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، يحاولون أيضاً صد القوات اليمنية المحلية الأخرى التي تتطلع إلى معاقبة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على تورطهما في الحرب الأهلية في اليمن.
    وهكذا، أصبحت مخاطر محاربة الحوثيين بفعالية تفوق الفوائد بالنسبة لأبو ظبي. لكن هذا لا يعني أن الإمارات العربية المتحدة ستتخلى عن اليمن تماماً وتخسر المكاسب التي حققتها هناك. ويشير دعمها المستمر للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى أنها تخطط للبقاء في الجوار لبعض الوقت في المستقبل.
    توسيع نطاق حرب اليمن
    لكن هذا التحول باتجاه الجنوب يعرض مجموعة من المخاطر الأمنية الخاصة به أيضاً؛ حيث سيستفيد الحوثيون المتمركزون في الشمال من تصاعد القتال بين هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي في تكثيف الضغط لتحقيق أهدافهم. ومع تركيز الحكومة اليمنية والمملكة العربية السعودية جزئياً على تقليص التحدي الذي يشكله المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، سوف تقل الموارد المتاحة لوقف هجمات الحوثيين -مما يترك للمجموعة المتمردة فرصة كبيرة لدحر بعض المواقع العسكرية للتحالف.
    لكن الحوثيين ليسوا الوحيدين المهيئين للاستفادة من هذا الوضع. فالمجلس الانتقالي الجنوبي يشكل عدواً قوياً للجهاديين اليمنيين، بمن فيهم أولئك المرتبطون بتنظيمي القاعدة و"داعش". وكما هو الحال في الجبهة المعادية للحوثيين، فإن انشغال المجلس الانتقالي الجنوبي بمحاربة القوات المدعومة من هادي سوف يتركه مع موارد أقل لمواجهة المتطرفين. ووسط نشوب المزيد من الاشتباكات الداخلية، ثمة فرصة لإغراء بعض اليمنيين خائبي الأمل بالانضمام إلى الجهاديين، الذين تعِد رؤيتهم الإسلامية القاسية للبلاد -بينما تظل متطرفة- بعودة ما إلى النظام على الأقل.
    قد تؤدي المخاطر التي تعرضها مكاسب الحوثيين والمتطرفين في اليمن إلى إجبار الإمارات العربية المتحدة في نهاية المطاف على التفكير في وضع نهاية لضغط المجلس الانتقالي الجنوبي الحالي على إدارة هادي المدعومة من السعودية. لكن المجلس الانتقالي الجنوبي، مثل كل الوكلاء المحليين، يمتلك أجندته الخاصة أيضاً. وبالتالي، فإن أي اتفاق يمكن أن تتخلى عنه أبو ظبي لن يؤدي سوى إلى إثارة المزيد من التوترات بين الشمال والجنوب إلى أن تبرز الفرصة التالية أمام المجلس الانتقالي الجنوبي للدفع بمستقبل لليمن يصبح فيه دولتين بدلاً من واحدة.

*نشر هذا التقدير تحت عنوان: Southern Yemen Inches Toward Independence. But at What Cost?