جنوب لبنان: 4 قواعد اشتباك وهدفان

ما بات يحدث في لبنان من مناوشات بين الحين والآخر بين حزب الله والإسرائيليين هو نوع من "الفحص الدوري" لقواعد الاشتباك، شبه المتفق عليها ضمناً، مع محاولات إسرائيلية مستمرة لتغيير تدريجي في هذه القواعد. اضافة اعلان
لتلخيص ما حصل يوم الأحد، 1 أيلول (سبتمبر) قام حزب الله بإطلاق صواريخ مضادة للدروع وأصاب عربة عسكرية إسرائيلية، في شمال فلسطين، وأعلن حزب الله مقتل وجرح جنود إسرائيليين. تباطأ الإسرائيليون في الإعلان عن وجود خسائر، وهو تباطؤ مقصود كما سيلي توضيحه، وفي النهاية زعموا عدم وجود جرحى وخسائر في الأفراد. وهجوم حزب الله يأتي رداً على قصف اسرائيلي في دمشق قتَلَ ما لا يقل عن عنصرين من حزب الله يوم 24 آب (أغسطس)، وعلى سقوط طائرتين بدون طيار (مُسيّرة) إسرائيلية، في اليوم التالي، فوق بيروت، تحتوي متفجرات.
قاعدة الاشتباك الأولى، أنّه لن تقوم إسرائيل بهجمات دون رد عليها من حزب الله.
قاعدة الاشتباك الثانية، أن الرد يمكن أن يكون أقل من حجم الفعل الإسرائيلي، فقتل عنصرين من حزب الله، يمكن أن يكون بهجوم لا يسقط خسائر إسرائيلية. ولعل التباطؤ الإسرائيلي في إعلان وجود أو عدم وجود خسائر، هو كما تقول صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية لإعطاء فرصة أمام حزب الله، لادعاء أنّ رده حقق إيقاع خسائر، بحيث يصبح "أمين عام حزب الله حسن نصر الله سعيداً في بيروت"، بأنّه قام بالرد، و"رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو سعيداً في القدس"، بأنّ الرد بقي في هذه الحدود، وذلك بحسب تعبير صحيفة يديعوت احرنوت. وهذه يمكن تسميتها سياسة "حافة الهاوية" حيث يحرص الطرفان ألا تتخطى المواجهة بينهما حدودا معينة، ويمكن تسميتها أيضاً سياسة "حفظ ماء الوجه" المتبادل، فكلاهما (خصوصا نصرالله ونتنياهو) يعطي للطرف الآخر فرصة ادعاء القوة أمام جمهوره.
قاعدة ثالثة، أنّ إسرائيل تضرب في سورية ولبنان، والرد يكون في لبنان، أو منه فقط. فتبقى قاعدة هدوء جبهة الجولان السورية قائمة من طرف واحد، أي من الطرف السوري اللبناني.
قاعدة رابعة، أنّ ما يحدث هو سياسة فحص حدود، إسرائيلية، أي فحص مدى تقبل الاعتداءات بصمت. وكان أمين عام حزب الله واضحاً في هذا الصدد، فقال في خطابه يوم 25 آب (أغسطس) "فكيف يتعاطى معه العراقيون هذا شأنهم، لكن بالنسبة لنا في لبنان، نحن لا نسمح بمسار من هذا النوع". فالجانب الإسرائيلي قام بعدة هجمات في العراق، منذ شهر تموز (يوليو) 2019، استهدفت مخازن أسلحة لمليشيات الحشد الشعبي القريبة من إيران، ويقوم باستمرار بهجمات ضد أهداف إيرانية ولحزب الله في سورية، وثبّت الجانب الإسرائيلي، أنّ الرد العراقي أو الإيراني، المباشرين أمرٌ مستبعد، وأنّ الرد سيكون من حزب الله محدوداً، ومن لبنان، وربما من مجموعات من غزة، سرعان ما تسارع حركة "حماس" لاحتوائها. ويعمل حزب الله على منع تثبيت إسرائيل نوعا من سياسة استخدام طائرات بدون طيار، باعتبارها وسيلة تجسس، واغتيال، في لبنان، يمكن أن يقابلها الحزب بالصمت.
بعيداً عن الأهداف الانتخابية والإعلامية والتكتيكية الإسرائيلية، فإنّ الجانب الإسرائيلي، يدرك أنّ التعامل مع حزب الله "ليس نزهة"، وهناك قدرة ردع مهمة لدى الحزب، ولكن الأهداف الإسرائيلية تتضمن الآن أمران، الأول الجانب المعلوماتي والأمني بمتابعة تسلح وقوة حزب الله وقدراته، حتى لا يفاجأ الإسرائيليون يوما بتغير كبير في موازين القوى أو في سياسات الحزب، والثاني، هو العمل على فرض شروط وقواعد أي تواجد إيراني في سورية. فبعد صمت نسبي طويل على الدور الإيراني في حفظ النظام السوري، يريد الإسرائيليون، وقد أُنجزَت هذه المهمة تقريباً، فرض الخطوط والحدود التي يمكن للإيرانيين الحصول عليها في سورية، تماماً كما كان هناك خطوط حمر وترتيبات مفهومة ضمنية عندما كان الجيش السوري في لبنان.
هذا الوضع يعني توقع مناوشات محسوبة بين حين وآخر بين الإسرائيليين وحزب الله لا تصل مرحلة الحرب المفتوحة الإقليمية، ولكن سياسة حافة الهاوية موجودة، وقد تؤدي لخروج الأمور عن السيطرة. على أنّ الهاوية تبدو خاصة بحزب الله وإسرائيل، أما جبهة إيرانية- سورية- وحزب الله من جهة مقابل إسرائيل فليست سيناريو متوقعا.