"جنون الشهرة" يجتاح عالم الطفولة والمراهقين

Untitled-1
Untitled-1
تغريد السعايدة عمان- الملايين من المقاطع المصورة للمشاهير، باتت تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، وتظهر الحياة الفارهة واليوميات المليئة بالأحداث والمغامرات، لتكون محط أنظار الناس ومن مختلف الأعمار، صغارا وكبارا. هذه الحياة، التي يرى الكثيرون أنها "نموذجية" للشهرة، تجعل الصغار في مراحل مختلفة من العمر، يحلمون بعيش حياة تشبهها، وأحيانا المقارنة بين ما يعيشونه وما يعيشه الآخرون، ويرغبون بالحصول على هذا الاهتمام عبر منصات التواصل، ظناً منهم أن الشهرة تعني "حياة رغيدة"، وبالتالي تقليد هؤلاء المشاهير ومحاولة إثبات أنفسهم في هذا العالم. دراسات اجتماعية ونفسية وتربوية، كانت قد حذرت من خطورة أن يستغل الأهل الأطفال في تصوير مقاطع لنيل الشهرة والمكاسب المالية من خلالهم، وأن ما يقومون به يسبب مخاطر جسيمة عليهم وعلى ومستقبلهم، غير أن الأمور قد تختلف لدى نسبة كبيرة من الصغار الذين باتوا يبحثون عن الشهرة بأنفسهم من خلال صفحات خاصة بهم عبر مواقع التواصل. وهذا، كما يراه تربويون، هو أكثر خطورة بسبب وجود دافع ذاتي من الطفل لتقليد المشاهير ومجاراتهم في الحياة التي يشاهدها دائما أمامه من خلف الشاشات. والدة الطفلة زين (10 أعوام) بدأت تقلق من مراقبة طفلتها حياة الكثير من المشاهير في العالم سواء كانوا من الأطفال أو الكبار، إذ تحرص على مشاهدة مقاطع عديدة تعكس حياة فارهة ونموذجية يتمناها كل طفل، إلى أن وصلت إلى مرحلة التفكير بأن تكون هي من هؤلاء، وتبحث عن كل ما قد يحقق لها ذلك. وعلى الرغم من أن هذه التصرفات كانت تحظى بترحيب الوالدين بين الحين والآخر، غير أن القلق بدأ يراودهم من أن تتحول تلك المتابعة للمشاهير إلى حالة إدمان وترقب لتفاصيل الحياة كافة، ووضع عائلتها في موقع مقارنة مع عائلات المشاهير، خاصة ممن يعيشون في دول غربية، مختلفة بالثقافات والبيئة. الاستشاري والمدرب التربوي الدكتور عايش النوايسة، يرى أن التطبيقات المنتشرة بشكل كبير، أصبحت تتيح المجال للأطفال بالتواجد على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاهدة وتقليد غيرهم من المشاهير، وتقمص شخصيات يفضلونها، ما يسبب آثارا سلبية على الأطفال، ذلك دفع الكثير من التربويين لإطلاق دعوة لوقف بعض التطبيقات التي أسهمت بتسهيل دخول الأطفال لـ"عالم الشهرة". ويبين النوايسة أن هذه المحاولات لنيل الشهرة، ومن خلال هذه التطبيقات، تؤثر على سلوكات الأطفال وطريقة تفكيرهم وقيمهم، خاصة أن هذه الوسائل أصبحت متاحة بشكل كبير في عالم الأطفال، بسبب اضطرار الأهل إلى ترك الأجهزة الذكية بين أيدي الطفل حتى تستمر علمية التعلم عن بعد، وهذا أسهم بمواكبتهم لكل ما هو جديد في عالم التقنيات والعالم الافتراضي. حالة من الفرحة العارمة أصابت الطفلة رهف (6 سنوات) بعد أن قام أحد المشاهير في العالم العربي بوضع "إعجاب" على صورتها التي نشرتها لها شقيقتها عبر حساب "إنستغرام"، ما جعلها تشعر بالفخر بين أقرانها، وباتت تنتظر أن تنشر صوراً يومية لها لتحظى بإعجاب أو تعليق من قبل هؤلاء المشاهير. هذا الحال، أدى إلى رغبة رهف بأن تكون من ضمن قائمة هذه الفئة، وتبحث عن ذلك بشتى الطرق، سواء من خلال نشر صور لها تنال الإعجاب، أو مقاطع فيديو تحاكي فيها تفاصيل المشاهير وتتمنى أن تصبح مثلهم. وبحسب النوايسة، فإن هناك أهمية كبيرة لوجود مراقبة ومتابعة للطفل سواء من الأهل أو الجهات الرقابية المختلفة المحيطة بالأطفال والبالغين على حد سواء، وأن يكون هناك توجيهات ورسائل إعلامية وتربوية للطفل وللأهل كذلك، حول كيفية التعامل مع هذه المعطيات، لأنها أصبحت تشكل خطرا سلوكيا، ولا ضير من حجب الهاتف عن الأطفال في أوقات معينة، كون هذه السلوكات تمهد لثقافة جديدة تؤثر على حياتهم وحياة عائلاتهم فيما بعد. ومن هنا، يؤكد النوايسة أهمية التوعية من مختلف المؤسسات المعنية التعليمية والإعلامية، لأن بحث الأطفال عن الشهرة هو نوع من الثقافة الدخيلة، ولها سلبياتها أكثر من الإيجابيات. هذا الأمر، له آثار نفسية على الأطفال، وهو ما تؤكده اختصاصية علم النفس وعلم النمو الاستشارية الأسرية الدكتورة خولة السعايدة من أن شهرة الأطفال لها أكثر من جانب وتأثير، تحديدا حينما يكون الأهل هم من يتعمدون إقحام أبنائهم في هذا العالم ويخططون لذلك، بحثاً عن الشهرة والمال، أما الأطفال المقلدون للمشاهير فقد يكونون قد حصلوا على تعزيز لهذا السلوك من خلال المقربين منهم، خصوصا الأم والأب. وتبين السعايدة أن بعض المراهقين عبر منصات التواصل الاجتماعي يقلدون المشاهير وكأنهم يبحثون عن نموذج من خارج الأسرة يعتمدونه قدوة لهم، لأنه حسب علماء النفس فإن المراهق يبحث عن الهوية الذاتية التي ستتشكل غالبا مع نهاية هذه المرحلة ودخول مرحلة الشباب. أما الأطفال، فهم في غالب الأمر يقلدون سلوك المقربين منهم وليس المشاهير فقط، لذلك، ترى السعايدة أن الأهل عليهم أن يتعاملوا مع هذا الأمر بخطوات عدة وهي "معرفة السبب لهذا التقليد والشغف بالمشاهير"؛ حيث إن الأهل هم الأقدر على تحديد السبب، وإذا كان هناك تعزيز مباشر أو غير مباشر للسلوك، والحل هو أن يتم توقيف هذا المعزز لدى الطفل، سعيا للخروج من دائرة البحث عن الشهرة "المزيفة". وإذا كان التقليد بسبب المراهقة فينبغي هنا على الأهل البحث عن نموذج أكثر قبولا ومناقشة الابن أو الابنة بهذا الأمر.اضافة اعلان