جهاديون بلا حدود: سقوط سِرت

تقرير خاص – (الإيكونوميست) 14/12/2016

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

الأرض آخذة في التقلص من تحت أقدام جهاديي "داعش". فالقوات العراقية تصبح أكثر قرباً من وسط الموصل، آخر مدينة كبيرة تحت سيطرة التنظيم في العراق، في حين يضع المقاتلون الأكراد والعرب أعينهم على الرقة، عاصمة التنظيم المفترضة في سورية. ولكن، كيف سيرد "داعش" –وربما يتكيف- عندما يفقد أراضيه المتبقية؟ للإجابة عن هذا السؤال، يمكن النظر إلى ليبيا، حيث يتم الدفع بالجهاديين إلى خارج معقلهم الحصين في مدينة سِرت الساحلية.
بغرقها الطويل في الحرب الأهلية، أصبحت ليبيا نوعاً من الحاضنة للجهاديين في المنطقة. وقد سيطر "داعش" في ذروته في وقت سابق من هذا العام على 150 ميلاً (240 كيلومتراً) من ساحل البلاد، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. بل إنه كان يُنظر إلى سِرت، مسقط رأس دكتاتور ليبيا السابق معمر القذافي، على أنه عاصمة احتياطية للمجموعة في حال فقدت معقلها في الرقة السورية. ولكن، بعد نحو سبعة أشهر من القتال العنيف، تم طرد المجموعة من قاعدتها الليبية.
كانت الحملة ضد الجهاديين تخاض اسمياً تحت قيادة "حكومة الوفاق الوطني" المدعومة من الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس، مع أن رجال الميليشيات من مدينة مصراتة، ذوي الولاءات المتقلبة، هم الذين قاموا بمعظم القتال الفعلي. وكانت هذه الميليشيات تتلقى الدعم من الضربات الجوية الأميركية. وتم تنفيذ أكثر من 500 من هذه الضربات منذ آب (أغسطس). وكان يعتقد ذات مرة بأن لدى "داعش" عدة آلاف من المقاتلين الأجانب في سرت، لكن الاعتقاد السائد الآن هو أن الكثيرين منهم، بمن فيهم عدد من القادة، لقوا حتفهم.
يحذر المحللون من أن المجموعة الإرهابية ما تزال تشكل تهديداً خطيراً –للغرب، والمنطقة وليبيا نفسها. وكان مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى ليبيا، جوناثان وينر، قد حذر الكونغرس الشهر الماضي من أن مقاتلي "داعش" المتبقين ربما يكونون بصدد تشكيل خلايا سرية في كل أنحاء البلد. وقال وينر: "نحن نعتقد أنهم ينتظرون الفرص لشن المزيد من الهجمات في ليبيا أو الدول المجاورة، ولإعادة تأكيد وجود "داعش" جغرافياً إذا أمكن". وقال نيكولاس راسموسِن، كبير المسؤولين الأميركيين لمكافحة الإرهاب، أنه يشعر بالقلق من هجمات يشنها الجهاديون على أهداف خارجية.
يُعتقد الآن بأن مئات من الجهاديين قد تراجعوا إلى الجنوب من سِرت أثناء القتال. وكان هناك آخرون موجودون هناك مسبقاً. كان لـ"داعش" من وقت طويل مقاتلون موزعون في أنحاء ليبيا. وفي بنغازي، هاجم هؤلاء المقاتلون القوات التي تعمل تحت قيادة خليفة حفتر، الجنرال المناهض للإسلاميين، وربما يكونون مرتبطين بمقاتلين إسلاميين آخرين. كما يمكن العثور على مقاتلي "داعش" أيضاً في مناطق البلاد الصحراوية الشاسعة، من حيث شنوا هجماتهم على سِرت وغيرها. ومع أنه تم إضعافهم، فإنهم ربما يجدون العون من خلال شبكات الجماعات الجهادية المختلفة، مثل "أنصار الشريعة" و"القاعدة في المغرب الإسلامي".
خارج سِرت، ما تزال الظروف التي سمحت للمجموعة بالازدهار موجودة. لا تستطيع حكومة الوفاق الوطني تأمين حتى العاصمة، التي تسيطر على أجزاء منها جماعات مسلحة تؤيد الحكومة الإسلامية السابقة. كما أن هناك حكومة أخرى في الشرق يدعمها السيد حفتر، والتي ترفض التنحي هي الأخرى. وقد استولت قوات حفتر في الفترة الأخيرة على العديد من منشآت النفط، وهو ما يمكن أن يعزز موقفه إذا ما جرى التفاوض على خطة السلام التي تدعمها الأمم المتحدة، والتي أنتجت حكومة الوفاق الوطني، كما اقترح البعض.
لكن الكثيرين يعتقدون بأنه ليست لدى السيد حفتر، الذي يعتبر معظم الإسلاميين إرهابيين، النية لإلقاء سلاحه. وقد ضربت قواته مؤخراً ائتلافاً من الميليشيات (التي يزعم البعض أنها تتلقى الدعم من وزير دفاع حكومة الوفاق الوطني)، والتي حاولت استعادة المنشآت النفطية التي تحت سيطرته. ومع تلقيه الدعم من مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا، ربما يقرر السيد حفتر أن يندفع أكثر في اتجاه الغرب. ويأمل أنصاره في أن يصطف دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتخب المعجب بالرجال الأقوياء المعادين للإسلاميين، إلى جانبه أيضاً. لكن السيد ترامب عرض القليل من الاهتمام بليبيا. وفي الأثناء، ومع انتهاء الحملة في سِرت، سوف يخضع القصف الأميركي لمجموعة "داعش" قريباً إلى قواعد اشتباك أكثر صرامة.
على الرغم من النكسة التي مني بها في سِرت، والتوترات التي يجري الحديث عنها بين المقاتلين المحليين والأجانب، سوف يواصل "داعش" الاستفادة من الفوضى السائدة في ليبيا. فالحصول على السلاح سهل، والحدود نفاذة سهلة الاختراق، والسكان الساخطون يوفرون المجندين. ويستطيع الإرهابيون أن يعملوا وأن يتدربوا في المناطق الشاسعة غير المحكومة في البلاد، وأن يشنوا هجمات في البلدان المجاورة مثل تونس التي ضربتها المجموعة سابقاً. وحتى يتم الاتفاق على سلام أوسع ويتم تأسيس حكومة فعالة، سوف يسبب جنود "داعش" الكثير من المتاعب في ليبيا. وسوف ينطبق الأمر نفسه أيضاً على سورية، وربما العراق، حتى بعد أن تسقط الرقة والموصل.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
 Jihadists without borders: The fall of Sirte

اضافة اعلان

[email protected]