"جهاد النكاح" والمنزلق السوري!

كنا نظن، وبعض الظن إثم، أن قصة "جهاد النكاح" في سورية، التي ثارت قبل أشهر، هي مجرد فبركات ودس من قبل النظام السوري ومريديه، لتشويه صورة جبهة النصرة السلفية، وفصائل "الجهادية السلفية" الأخرى، التي تقاتل النظام السوري، وتدفقت كالسيل وبسخاء على هذا البلد المنكوب، والذي تحول ربيع شعبه إلى أبشع الحروب الأهلية، وعبرت من خلاله كل أجندات الأرض وقذاراتها!اضافة اعلان
اعتقدنا أن قصة "جهاد النكاح"، الذي يشرع للزنا والفسوق والإفساد في الأرض باسم الدين والجهاد وفقه الضرورات، هي مجرد تضليل وحرب نفسية ودعائية يشنها النظام السوري ومريدوه ضد الثورة السورية؛ لنكتشف اليوم أنها حقيقة واقعة، يتحدث عن شرورها وآثارها الكارثية مسؤولو حركة النهضة التونسية، الذين كشفوا قبل أيام عن توريط عشرات الفتيات التونسيات بمثل هذا "الجهاد" في سورية، قبل عودتهن، وبعضهن حوامل، إلى تونس، بعد أن تداور عليهن عشرات "المقاتلين والمجاهدين" في دار الحرب!
تشعر بالاشمئزاز والقرف وأنت تتابع مثل هذه الأخبار، من هذا الدرك الأسفل الذي وصلته مثل هذه الجماعات باسم الدين والجهاد، والتي تقف وراءها دول وأجندات خارجية قاتمة، تغذي التطرف والعنف وتشرعنه بأبشع الصور، في سبيل تصفية الحسابات السياسية مع النظام السوري، وعلى حساب الشعب السوري ذاته، وحقه في حياة حرة كريمة وديمقراطية.
قصة "جهاد النكاح" قد تعكس رأس جبل الجليد فقط في فكر مثل هذه الجماعات المتطرفة، والمنزلق الذي دفعت إليه سورية وثورة شعبها ضد الظلم والطغيان، بعد أن اجتمعت على رأس الشعب السوري سطوة وعنف النظام من جهة، وانكشاف الساحة السورية أمام مختلف الأجندات والأطماع والحسابات العربية والأجنبية، والتي تجاوزت في خططها وتأثيراتها استقرار النظام فقط، إلى تهديد الوطن السوري ووحدة شعبه العريق.
بل يمكن القول بثقة اليوم، إن مثل هذا "الجهاد"، والفكر المتطرف والمنغلق، وفتاوى "جهاد النكاح" وربما "استحلال" شرف سبايا الحرب وغنائمها البشرية، وتدفق الدعم العربي والخارجي اللامحدود، بالمال والسلاح والرجال، هو ما بات يطيل عمر النظام السوري، ويفشل ربيع السوريين وحقهم في انتزاع الديمقراطية والحرية، ويزيد من رقعة مناصري هذا النظام، على الأقل باعتباره أهون الشرين بالنسبة لكثير من السوريين!
الإمعان في تسليح المعارضة السورية، وتواصل جسور الإمداد بالسلاح والمال والرجال، واللذان تجند لهما دول عربية وأجنبية كل الطاقات والإمكانات، باتا سببا رئيسا لإطالة عمر الأزمة السورية وحربها الأهلية، وتدمير ما تبقى من سورية، وتعثر أي تسوية سياسية داخلية يمكن أن يصل إليها النظام والمعارضة لوقف حرب التدمير والنزيف المتواصلة بلا أي أفق أو نهاية!
لا يقل سوء "جهاد النكاح" واستباحة المجتمع والشعب السوريين باسم الدين و"الجهاد"؛ ضررا وخطرا، عن استخدام السلاح الكيماوي، وتواصل التقتيل والتدمير المادي في سورية، سواء كان من قبل النظام أو من قبل المعارضة المسلحة. فالضريبة كبيرة وباهظة على الشعب السوري، وحاضره ومستقبله.

[email protected]