جهاز هواة يعيش في الماضي

هآرتس - نحميا شترسلر

حتى بداية الاسبوع كان الحديث يدور عن قصة نجاح كبرى؛ دخول سري الى دولة عربية، تصفية ارهابي معروف وخروج هادئ. لم يأخذ احد على عاتقه مسؤولية الإعدام، ولكن حسب مصادر اجنبية، يدور الحديث عن الموساد الاسرائيلي (وهذه فرضية، سواء كانت صحيحة أم لا، سترافق المقال بأسره). وكانت النتيجة تصفيقا وهتافا للموساد الذكي، الذي عمل بنجاح على أعلى مستوى ممكن.

اضافة اعلان

ولكن عندها جاءت شرطة دبي وعرضت قصة التشويق البوليسية الافضل في المدينة: فيلم كامل وصور واضحة للمنفذين المجهولين. وهكذا تبين ان الموساد السوبر مهني، الذي قيل عنه انه يعمل مثل منظمة تكنولوجيا عليا متطورة، ليس سوى جهاز قديم يعمل بنزعة هواة مقلقة.

منفذو العملية لم يأخذوا بالحسبان أن التكنولوجيا طارت الى الامام في السنوات الاخيرة. ذات مرة، في العالم القياسي، كان يكفي تزييف جواز سفر، وإلصاق لحية والتنكر في زي لاعب تنس بقبعة رياضية. هذا مكتوب في كتب التجسس. اما اليوم فالعالم رقمي، محوسب. متصل إعلاميا ومصور، وهذا ما لم يأخذوه بالحسبان في قيادة الموساد.

وعليه، هل كان ممكنا عدم النجاح؟ فمجموعة المغتالين الكبيرة تركت وراءها الكثير من البصمات لدرجة ان رجل مباحث أعمى كان سيعثر عليها.

فقد وصلوا الى دبي قبل وقت قصير قبل الاغتيال، بحيث كان سهلا تشخيصهم في الرحلات الجوية الوافدة. قدموا جوازات سفرهم للاستعراض في المطار، وصورت وجوههم. بعد ذلك استخدموا ذات الجوازات كي يسجلوا انفسهم في الفنادق. فما المشكلة في تشخيصهم في كل نقطة على الطريق؟

وفي السياق مشطت شرطة دبي كاميرات الحراسة الكثيرة المركبة في المطار والفنادق. واذا قال احد ما انه ما كان يمكن التملص من كاميرات الحراسة فلماذا قرروا النزول في الفنادق الكبرى في وسط المدينة. أفلم تكن هناك حلول سكنية اخرى اقل انكشافا؟ على مدى العملية تحدثوا بينهم بالأجهزة الخلوية، والكل يعرف بان الجهاز الخلوي هو مثل جهاز العثور، فهو يبلغ في كل عدة ثوان اين يوجد المتكلم، وكل مكالمة منه تسجل. وكعقبى، خرجوا من الفندق دفعة واحدة، فور تنفيذ الاغتيال حيث لم تكن هناك صعوبة كبيرة في العثور عليهم ايضا في الرحلة الجوية المغادرة.

وإذا كان ثمة من يظن أن الحديث يدور عن جهاز استخبارات آخر وليس الموساد، فقد حرصوا ايضا على منع هذه الامكانية حين سرقوا هويات سبعة اسرائيليين احياء ومذهولين. وعليه، فلا تستحق شرطة دبي أي ميدالية، لأنهم قدموا لها حل اللغز على طبق من الهواة. إذ أي فرصة توجد لوسائل التخفي القديمة واللحية الملصقة امام تكنولوجيا الاتصالات المتطورة والكاميرات الرقمية؟

بول كيلي، الذي يسكن اليوم في كيبوتس نحشوليم، لم يصدق أن هذا حصل له. فهو يوجد في البلاد منذ 15 عاما، ولكنه يواصل الاحتفاظ بجواز سفره البريطاني الى جانب جنسيته الاسرائيلية. "منذ ان فهمت انهم استخدموا هويتي فإني أسير كالمهبول... ما أجتازه هو كابوس واحد كبير، انا اخاف على حياتي". هكذا يشعر ايضا باقي الستة الذين سرقت هوياتهم.

يدور الحديث عن سلسلة جرائم تزييف ومس بالحرمة الشخصية، وكذلك مس خطير بحق كل مواطن في الامان والحركة الحرة. فهل يمكن لهؤلاء السبعة أن يسافروا الى خارج البلاد؟ أوليس المس بهم هو ثمن باهظ اكثر مما ينبغي؟ أوليس لدى أي منا حماية لحرمته الشخصية امام الموساد؟ نأمل ألا يكون الموساد يرى كل مواطني الدولة وكأنهم تجندوا في صفوفه. يذكّر هذا بنبوءة البروفيسور يشعياهو ليفوفتش الذي قال ان استمرار الاحتلال والحروب سيجعلنا كلنا رجال مخابرات. اما اليوم فالمقصود رجال موساد.

السؤال الكبير هو، هل أجرى رئيس الوزراء، المسؤول عن الموساد، حساب الربح والخسارة حين اصدر مصادقته على الانطلاق على الدرب؟ إذ واضح منذ اليوم ان اضرار العملية اكبر بكثير من فضائلها. محمود المبحوح سيحل محله نشيط حماسي آخر، ربما اكثر وحشية منه. ولكن الـ11 شخصا (وربما اكثر) من وحدة التصفيات في الموساد لن يكون بوسعهم بعد اليوم العمل في خارج البلاد. كما أن اساليب عمل الموساد انكشفت هي ايضا.

دبي، دولة معتدلة، لن تتحمس في مواصلة أي علاقات مع اسرائيل، ولا ينبغي أن نحسد رجل الاعمال الاسرائيلي الذي يحتاج الى أن يسافر الى هناك قريبا. ايرلندا توجهت الى بريطانيا وفرنسا وألمانيا بطلب للتحقيق المشترك في القضية. وتم استدعاء سفيري اسرائيل في بريطانيا وايرلندا لحديث استيضاحي. وأمر رئيس وزراء بريطانيا بفتح تحقيق جذري في القضية وذلك لأنهم في اوروبا لا يحبون ان يعرض جهاز اجنبي سلامة المواطنين للخطر.

من الواضح ايضا ان مكانة اسرائيل في الرأي العام في اوروبا تضررت إذ اتخذت صورة دولة عديمة الكوابح وخارقة للقانون. هكذا اصبحت قصة النجاح الكبرى فشلا مدويا. وهكذا اصبح الموساد كلي القدرة جهاز هواة يعيش في الماضي.