جيب المواطن مرة أخرى!

إذا كانت بعض الشعوب ابتليت بنزاعات وحروب طائفية وفتن داخلية أو حتى كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات، فإن الشعب الأردني ابتلي بحكومات، ديدنها الوحيد العيش بترف وسد عجز الموازنة وتنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي، من جيب المواطن، الذي أصبح يعاني الأمرّين.اضافة اعلان
هي الحكومة تلجأ من جديد، إلى جيب المواطن، وذلك من خلال تسريبها عن طريق مصدر مسؤول فيها خبرا إلى وسائل الإعلام بأن هناك مشروع قانون ضريبة جديد، أبرز سماته إلغاء أو محو الطبقة الوسطى، من خلال فرض ضريبة على دخل الأعزب الذي يتقاضى 6 آلاف دينار سنويًا، و12 ألف دينار للمعيل للأسرة بغض النظر عن عدد أفرادها.
وعندما تفكر الحكومة بقانون ضريبة جديد، فذلك يعني ليس فقط زيادة الشرائح الضريبية، بل أيضًا يشمل زيادة أسعار وفرض رسوم، بالإضافة إلى إلغاء إعفاءات سنوية كان يتم إلهاء المواطن بها.
والتبرير في هذه الحالة، أي فرض قانون ضريبة جديد، جاهز، لا بل و"مقونن"، يتضمن شقين، أولهما بأنه ضروري لتأمين 450 مليون دينار حسب الاتفاق مع صندوق "الشؤم" الدولي، الذي أجبر الحكومة على ضرورة تأمين 1.5 مليار دينار للأعوام 2016 و2019.
أما الشق الثاني فيتمحور حول أهمية فرض ضريبة جديدة حتى يرضى عنا صندوق "الشؤم"، الذي لا يلقي بالًا للوضع المعيشي بالنسبة للأردني، وبالتالي منح الأردن المزيد من القروض، والفتات من منح لا تكاد تكفي مصروفات مسؤولي هذا البلد.
إن وضع المواطن الأردني، الاقتصادي والمعيشي، لا يسمح له بمزيد من تخفيض حجم الإعفاءات، فما بالك بفرض ضرائب جديدة، يتبعها أكيد زيادة في الأسعار. فمعظم الأردنيين يسكنون بيوتا بأجرة شهرية لا تقل بمتوسطها الحسابي عن 230 دينارا شهريًا.
لو قامت الحكومة، مع كل تلك الضرائب من ضريبة خاصة على أسعار المشتقات النفطية وارتفاع الأسعار وإلغاء تخفيض ضرائب الجمارك على الألبسة والأحذية وزيادة بدل نقل ملكية المركبات، بتوفير الأشياء الأساسية الضرورية للمواطن، كمجانية التعليم والصحة، أو على الأقل جعل رسومهما رمزية، وإنشاء وإعادة تأهيل البنى التحية من طرق ومواصلات واتصالات، لكان رضي المواطن ودفع الضريبة عن طيب نفس.
أما أن يدفع المواطن ضرائب، وهو يعاني من ضنك العيش جراء ارتفاع الأسعار وتآكل الرواتب، والتضخم الاقتصادي، ناهيك عن إرهاقه ماديًا بسبب ما يدفع من كلفة تعليم لأبنائه ومعالجات طبية وصحية له ولأسرته، فهذا ما لا يقبله عقل أو منطق.
أي دولة هذه، وأي حكومة تلك، التي تقر قانون ضريبة جديدة كل عام، ففي العام 2014 أقرت قانون معدلًا لقانون ضريبة الدخل، ثم عادت في العام الذي تلاه بالتعديل عليه، وها هي تعتزم الآن إقرار قانون ضريبة جديد، لن يسلم منه حتى أبناء الطبقة الفقيرة.
إذا كان حكوماتنا الموقرة ترضخ لهذه الدرجة لقرارات صندوق النقد الدولي، فيجب عليها على الأقل أن تُفكر بطريقة غير جيب المواطن وما أكثرها في هذا البلد، أهمها ضبط عمليات الفساد أو العمل على تقليلها.
لكن الحكومة لا تلقي بالًا للمواطن ولا يهمها أمره، فأمل المواطن الآن معقود على مجلس الأمة، بشقيه النواب والأعيان، برفض هذا المشروع عندما يصل إليه، وبالتالي الوقوف مع المواطن الذي أصبح يئن تحت وطأة الغلاء الفاحش ما يُهدد المجتمع بأكمله، ومن قبله الطبقى الوسطى التي تعتبر صمام أمان للوطن من جميع النواحي.
قد تنجح الحكومة في تمرير "الضريبة الجديد" وتحاول الإقناع والتبرير بـ"ضرورتها"، ولكنها لن تنجح في الحفاظ على الأمن والأمان الاجتماعي، الذي سيكون من مخرجاته خسارة للجميع.