جيوش "عربية" في الزمن الإيراني

في السادس والعشرين من الشهر الماضي، صار "الحشد الشعبي" المشكل بفتوى دينية، والخاضع لإيران، ناهيك عما وُثق بحقه من جرائم إبادة، "هيئة" تتمتع بـ"الشخصية المعنوية"، بموجب القانون الذي أقره مجلس النواب العراقي بالأغلبية. وخلافاً لألفاظ لا تملك أي سند على الأرض؛ بأن الحشد الشعبي "يعد جزءا من القوات المسلحة العراقية"، فإن القانون ذاته ينص على تشكيل "الحشد" من "قيادة وهيئة أركان وصنوف وألوية مقاتلة".اضافة اعلان
باختصار، لن يكون "الحشد الشعبي" وهو "التشكيل العسكري المستقل" رديفاً للجيش العراقي الوطني، بل هو تشكل على حساب هذا الجيش، وفي مواجهته. الأمر الذي يمثل -بداية- نتيجة "طبيعية" للهيمنة الإيرانية على العراق. وأهم من ذلك أنه تجسيد لرؤية طهران لمستقبل الدول التي تتباهى بخضوعها لها. وهي رؤية يلخصها الوضع في سورية: "الأسد أو نحرق البلد"؛ باستبدال طهران اسم الأسد بمن تريد، في أي بلد تسيطر على "جيشه/ مليشياته".
ولعل الدليل النهائي على التدمير الإيراني الممنهج للجيوش العربية الوطنية، كان قد جاء من لبنان أساساً. فغداة انتخاب مرشح حزب الله "الوحيد والنهائي" ميشال عون رئيساً، كان أهم ما قام به الحزب التابع لإيران، تنظيم استعراض عسكري وُصف بأنه "غير مسبوق"، في الثالث عشر من الشهر الماضي أيضاً، في منطقة القصير السورية على الحدود اللبنانية. ولأن حزب الله يسيطر فعلياً على لبنان، فيكون الأهم هو الاستعراض العسكري الآخر، وغير المسبوق أيضاً، لمليشيات "لبنانية" جديدة هي "سرايا التوحيد"، تابعة للنائب والوزير السابق وئام وهاب، الحليف لحزب الله. بل إن الحزب كان حاضراً في الاستعراض من خلال مسؤوله محمود القماطي. هل ثمة شك في أنه استعراض موجه للجيش اللبناني، حتى وإن كان بقيادة موالية؟
طبعاً، لا تكتمل الصورة إلا بحلب. فهناك يُفترض، بحسب ما تقول إيران وأتباعها، أن "الجيش العربي السوري" هو من يقوم بالعمليات العسكرية. وناهيك عن كون هذه العمليات هي جرائم ضد الإنسانية، إضافة إلى السلب والنهب الممنهجين للمناطق التي يدخل إليها هذا الجيش، تظل هناك حقيقتان صعبتان على التوفيق المنطقي مع مسمى "الجيش العربي السوري": الأولى، أن هذا الجيش "السوري"، كما هو مثبت، يضم مليشيات عراقية من قبيل حركة النجباء، ناهيك عن المرتزقة الأفغان وسواهم من المجندين على أساس طائفي. وفي حال إنكار ذلك (باعتبارها فبركات ضمن "المؤامرة الكونية"، صارت تشترك فيها "النجباء" و"عصائب أهل الحق" وسواهما من مليشيات أعلنت وجودها في حلب)؛ فإن الحقيقة الثانية التي لا يمكن إنكارها، تفقد قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، للمدافعين عن الأسد، وفق صور بثها مكتبه أو موالون له. فهل يتفقد الإيراني سليماني "الجيش السوري" التابع له؟
الحقيقة أن السؤال الأخير هو الإجابة فعلاً. فالجيوش العربية الوطنية في زمن الهيمنة أو الاحتلال الإيراني، ليست عربية إلا بأمرين: الأول، تقاضيها الأموال من الأوطان التي تحمل اسمها. لكن ليس للدفاع عنها، بل -وهذا الأمر الثاني- لتنفيذ عمليات فيها، وضد شعوبها تحديداً، بما يضمن استمرار إخضاعها لإيران، استعدادا لإنشاء حكومة عالمية إسلامية (أي لا مدنية ولا علمانية، كما يدعي "عروبيو ويساريو طهران")، وفق تأكيد مستشار خامنئي العسكري رحيم صفوي، قبل أيام.