حائك الأحذية ووزير الحقانية

حدثان اشغلا جانبا من الرأي العام الاسبوع الماضي احدهما في الأردن؛ قصة انسانية نبيلة لمعلم يحيك حذاء احد تلاميذه المعوزين قبل ان يخرج أمام زملائه في الطابور الصباحي. وصلت القصة لوسائل الإعلام والإعلام الاجتماعي ووجد المعلم من تقدير واحترام ما يستحقه، وقصة أخرى تتناول تصريحات وزير العدل المصري حول وصول أبناء الطبقات الاجتماعية المسحوقة من الفقراء الى القضاء والتي أقيل أو استقال على اثرها الوزير.  في القصتين المتناقضتين أحجية إعلامية ومغالاة اجتماعية وأخلاقية في فهم ما يحدث وكيف تصعد اليوم بعض الاحداث وتحتل عناوينها أجندة المجتمع وأولوياته وكيف تعمل آليات التطرف الاجتماعي في تقدير المواقف الأخلاقية وإفراغها من مضمونها. اضافة اعلان
لأعمال الخير وتحديدا البذل من أجل الآخرين وجهان؛ أحدهما يجب أن يعلم به الجميع، فالأعمال الأخلاقية النبيلة هي مثل القيم الكبرى كلما علم بها الناس واستهلكت أكثر انتشرت وازدهرت وأثمرت مثل الصدق والحب وغيرهما. والوجه الآخر يعني بالدرجة الأولى احترام خصوصية الأفراد والاسر وتحديدا حينما يكون الأمر ذا صلة بالأطفال، كان من الطبيعي أن نحتفي بالمعلم الذي قام بهذا الدور النبيل وان نكرمه لأنه يستحق أكثر من هذا التكريم، ولكي يتعلم المجتمع من هذه الحادثة وتنتشر هذه القيم المرتبطة بها، لكن الممارسة غير الاخلاقية هي الإساءة للطفل من حيث ندري ولا ندري حينما اصبحت صورته مع معلمه واحدة من أكثر الصور مشاهدة بل تجاوزنا ذلك لإجراء مقابلات تلفزيونية معه.
مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) أشار الى هذه الحادثة على أنها ممارسة إعلامية كرمت المعلم وشهّرت بالطفل الفقير، في تفاصيل القصة التي تداولتها وسائل الإعلام تشهير حقيقي بالطفل ومس بالكرامة والخصوصية. وتمثّل جانب من  هذا في (وصف الطفل بالـ"الفقير"، وذكر أنه كان يخجل من حذائه الممزق، ويحاول إخفاءه. وذُكرت هذه التفاصيل مع معلومات تكشف هوية الطفل، فقد ذُكر الاسم الأول للطفل، وصفه، واسم مدرسته) وإجراء مقابلة تلفزيونية معه. علينا ان نتصور كم هو حجم الأثر النفسي الذي سيلاحق الطفل في مراهقته وشبابه من وراء هذه الممارسة الحساسة.
في القصة المصرية مثال آخر على الطريقة التي يصعّد فيها الخطاب الاجتماعي المغالاة من خلال وسائل الإعلام باسم الفقراء بطريقة تستثمر الفقراء ولا تخدم قضيتهم. الوزير المستقيل لم يجد من يدافع عنه وليس مطلوبا ان يدافع عنه أحد، بل المطلوب أن نفهم بالتحديد ما قال وهو " إن ابن عامل النظافة لا يمكن أن يصبح قاضيا" في سياق نقد للنظام الاجتماعي والاداري السائد في البلاد أكثر من رفض مبدأ أن يصل ابناء الفقراء وعمال النظافة إلى هذه المواقع، فيما قامت الدنيا ولم تقعد وتبرع النظام السياسي إلى اقالته ثم تدفقت ملايين الرسائل الإعلامية ووصلت الى حد ان يتبرع أحد السفراء الغربيين ليغرد ان سفارته على استعداد لتشغيل الفقراء.
صحيح  الفقر ليس عيبا، لكن المعاني والممارسات والصور التي طورتها النظم الاجتماعية تجعل من الكثير من التعبيرات انتهاكا للخصوصيات وتشهيرا يحط من كرامة الافراد. كيف تحول وسائل الإعلام وتحديدا الإعلام الاجتماعي الذي يديره مواطنون الطاقة الإيجابية في المجتمع من حافز إلى عبء والأفعال الأخلاقية الكبيرة إلى مشكلة أخلاقية.