حادثة حماحمي.. التذاكي على حساب الحقيقة

بعد ساعات قليلة من هجوم متحف اللوفر الإرهابي، وضعت سلطات التحقيق الفرنسية بين يدي الرأي العام، كل ماتوفر من معلومات عن الشاب المصري المشتبه به في تنفيذ الاعتداء على دورية عسكرية كانت ترابط على مدخل المتحف الأشهر عالميا.اضافة اعلان
الشاب "المخبول" كان يحمل ساطورين في حقيبته، انهال فيهما على أفراد الدورية، ليتسنى له الدخول وارتكاب مجزرة مروعة في المتحف. في الشقة التي استأجرها بباريس عثر على فاتورة الساطورين اللذين اشتراهما من محل لبيع مستلزمات عسكرية، وجواز سفره. وبتصفح حسابه على"تويتر" تبين أن المشتبه به، كان قد غرد قبيل الاعتداء مناصرا لتنظيم"داعش" الإرهابي.
لم ترق الرواية الفرنسية لبعض وسائل الإعلام العربية، فنشر موقع "العربية نت" بالأمس تقريرا يشكك ببيان قاضي التحقيق الفرنسي، استنادا لرواية والد المتهم في القاهرة، وهو لواء متقاعد من الأمن، صدم من الأخبار التي تناقلت اسم ابنه، فكان من الطبيعي أن يجتهد في تحليل الأدلة عن بعد، ليخلص لتبرئته، وتحميل السلطات الفرنسية مسؤولية إطلاق النار عليه!
يذكر موقف الأب حماحمي بتصريحات والدة المهندس المصري محمد عطا أحد أبرز منفذي اعتداءات"11 سبتمبر" في نيويورك، التي ظلت متمسكة ببراءة ابنها حتى بعد أن ظهر في شريط مصور نشره تنظيم القاعدة، وهو يعلن بنفسه التحضير للعملية الإرهابية، قبل أشهر من تنفيذها.
يمكن للمرء أن يتفهم موقف الأهل في مثل هذه الحالات، فهم في العادة لايسلمون بتورط أبنائهم، ويتبنون موقف الدفاع عنهم لاعتبارات عاطفية مفهومة. لكن أن تخضع وسيلة إعلام لنفس الاعتبارات فهذا أمر مستغرب حقا، خاصة وأن البلد المعني بالاعتداء "فرنسا" يحوز على أرفع نظام قضائي في العالم. قضاء مستقل تماما عن السلطات التنفيذية، ويمارس عمله تحت حماية الدستور والقانون، في دولة نسخت معظم دول العالم تجربتها في هذا المجال.
نظام قضائي لايمكن مقارنته أبدا بذلك النظام الذي لم يتورع عن تلفيق الأدلة، لإخفاء الحقيقة في مقتل الطالب الإيطالي تحت التعذيب، أو أنظمة التحقيق في دول لا تتردد في توقيف المتهم لأكثر من سنة دون توجيه أية تهمة له، أو تقديمه للمحاكمة أمام القضاء.
والمضحك المبكي أن كاتب التقرير الصحفي المتذاكي، يكتب من لندن، ودليله رواية الأب من القاهرة، دون الاعتماد على مراسل ميداني، يتقصى حقيقة الحادثة من موقع حدوثها، متجاهلا في ذات الوقت الصور والوقائع التي نشرتها جهات التحقيق من عين المكان.
حادثة حماحمي ليست فريدة من نوعها، فكم من الشبان غير المدرجين على قوائم المشتبهين، يعيشون حياة طبيعية، ويرعون أسرا فتية، ويعملون في وظائف مستقرة، كالشاب المصري الموظف بشركة في دولة الإمارات العربية، لابل وأبناء ذوات، وقد تورطوا في أعمال إرهابية مشابهة، وتبين بالأدلة القاطعة، أن الجماعات الإرهابية قد نجحت في تجنيدهم وغسل عقولهم، وظلوا عناصر نائمة،إلى أن حانت لحظة الإنطلاق لتنفيذ عمل إرهابي.
تقدم لنا عملية حماحمي، دليلا آخر على اللامقعول في حياتنا؛ شاب ناجح، يحسده الملايين من الشباب المصريين والعرب على حظه في العمل والحياة. يلقي كل ذلك خلف ظهره، ويحمل ساطورا لقتل أبرياء في متحف أثري. من يملك تفسيرا مقنعا لهذا العبث والجنون؟