حافة اليأس: المطارنة ليس وحيداً!

ثمة تفاصيل دقيقة ومهمة جداً في قصة انتحار المواطن الخمسيني أحمد المطارنة، تتبعتها الزميلة أمل غباين على موقع عمون الالكتروني، وقدّمت لنا صورة مأساوية حقيقية عن المعاناة التي عاشتها أسرة هذا الرجل قبل أن يقرر هو إنهاءها بإحراق نفسه.اضافة اعلان
أمانة عمان قدّمت له مبلغ 30 ألف دينار، وأعطته مكافأة نهاية الخدمة، وهو ما لم يساعد الرجل، فحاول تعويض ما خسره من دخله الشهري بعد إحالته على الاستيداع (فأصبح راتبه 110 دنانير) من خلال محل كهربائيات في جبل الحسين. لكنه لم ينجح في مشروعه الجديد، فدفع ما حصّله من قرض سكني ثمن خسائر المحل.
الزاوية الإنسانية المحزنة في قصة هذا الرجل تتمثّل في أنّه ربّ لأسرة كبيرة، تتكون من 9 بنات و5 أبناء، أغلبهم صغار السن. له ابنتان في الجامعة، لم يستطع تسديد أقساطهما، وظروف معيشية قاسية لم يتمكن معها من الاستمرار في تأمين احتياجات العائلة، ففضّل الانتحار على الشعور بالعجز واليأس والقهر أمام أعين أبنائه الذين ينتظرون من والدهم الحدّ الأدنى من ضروريات الحياة، بعد أن فصل التيار الكهربائي واضطر أن يبيع جزءاً من أثاث البيت!
قصة المطارنة نموذج لشريحة واسعة وعريضة؛ فهو فقد القدرة على التأقلم، وتعرّض لانهيار مالي، وفي الوقت نفسه لديه أسرة كبيرة، ووجد نفسه أمام حالة قاسية من العجز وقلّة الحيلة. وربما يذكرنا بقصة الرجل الذي أخذ يصرخ في البرلمان قبل أشهر من شرفة الجمهور ويناشد النواب تأمين وظيفة له، لأنّ أبناءه لا يملكون رغيف يومهم!
بيت القصيد، هنا، أنّ هذه القصة تصفع بقوة وجوه أصحاب "النظريات الفلكية" الذين رسموا مسارنا الاقتصادي خلال السنوات الماضية، وتجاهلوا تماماً الجانب الإنساني، ومدى أهميته في السلم الاجتماعي والتوازن الاقتصادي المطلوب، فأخذوا يتحدثون بمنطق الكلفة والمنفعة، سواء عندما يتحدثون عن رفع رسوم الجامعات أو الكهرباء والسلع المختلفة أو حتى عند تصميم قانون عمل يحابي أصحاب رأس المال على حساب العمال، فيشرع الباب مفتوحاً لتسريح العمال والافتئات على حقوقهم بسهولة، كما حدث خلال الأزمة المالية العام الماضي.
هي رسالة قاسية، أيضاً، لأصحاب رؤوس الأموال الذين لم يدركوا بعد أهمية التوازن الاقتصادي في الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وأنّ استمرارهم ونجاحهم مرهون بعدم وصول شريحة واسعة من المجتمع إلى حدود الجوع والفقر والبطالة، إذ سينعكس ذلك سلبياً عليهم مرّة أخرى. فالمطلوب منهم أن يدركوا أهمية المسؤولية الاجتماعية والسياسية للقطاع الخاص.
وهي رسالة إلى الفاسدين؛ فما يكسبونه من ملايين وبلايين على حساب أطفال لا يملكون قوت يومهم وآلاف الأسر التي تعاني من هذا النهب للمال العام والتسيب في إدارة الاقتصاد، سوف ينعكس أيضاً في شرخ اجتماعي حقيقي وقاسٍ، يهدد المجتمع بأسره ومصالحهم الخاصة كذلك.
على من يخططون السياسات الاقتصادية التفكير في هذه القصة كثيراً، فوجود خدمات مجّانية للناس، مثل الصحة والتعليم المدرسي والحكومي والمواد الأساسية، هو في نهاية المطاف سياج حماية للدولة والمجتمع، فليس أحمد المطارنة وحده من يعاني هذه الضغوط الكبيرة، هنالك مئات الآلاف من الأردنيين يقاومون الوصول إلى حافة اليأس، فعلى الدولة أن تفكر كثيراً في رسم سياسات تحمي الأطفال والمهمشين وتمنع الانهيارات الاجتماعية!

[email protected]