حاكمية البرلمان الجيدة

مع مجلس نيابي جديد، يشكل الأعضاء فيه 63%، ولم يمض على عمله سوى أربعة أشهر، من المستحسن الشروع فوراً في استئناف العمل الذي بدأه المجلس السابق من أجل تطوير نظامه الداخلي. فالأسباب التي دعت الى تعديله، لم تتغير، لا بل تعززت. وقد كان من بين تلك الأسباب الحاجة إلى زيادة أعضاء اللجان بعد أن أصبح عدد النواب 110 ، حيث إن الحد الأعلى لعدد أعضاء اللجنة الواحدة هو 11 نائباً، ومعالجة حالات عدم حضور الجلسات والتأخر عنها وفقدان النصاب أثناء انعقادها، وتركيز مناقشات مشاريع القوانين في اللجان، وهي العملية التي تستحوذ على جل وقت المجلس لصالح تفعيل دوره الرقابي، ومن بين موجبات التعديل اعطاء دور أكبر للكتل البرلمانية داخل المجلس، هذا اضافة الى أسباب أخرى ليس أقلها أهمية تزويد المجلس مؤخراً بوسائل التصويت الالكتروني، والتي يتطلب استخدامها تعديل النظام الداخلي للمجلس.

اضافة اعلان

لقد قطعت اللجنة القانونية للمجلس الرابع عشر شوطاً كبيراً في دراسة مشروع النظام الداخلي لمجلس النواب، ورفعت قبل عامين بالضبط (21/3/2006) قرارها بالموافقة عليه لكن المجلس أنهى أعماله من دون اقراره بصورة نهائية، وهكذا فقد باشر المجلس الجديد أعماله وفق النظام الداخلي الذي يُعمَل به منذ آذار 1996 وحتى الآن.

وبمقارنة التعديلات التي أدخلتها اللجنة القانونية على بنود النظام القديم (الحالي) نجد أنها ظلت محدودة جداً، ولا تتناسب مع وجاهة الأسباب الموجبة لتعديله. وعليه فإنه اذا ما قرر المجلس الحالي التصدي لتحديث نظامه الداخلي، فإن من المستحسن أن يخضعه لمراجعة شمولية، وأن يسعى إلى تعزيزه بمبادئ  الحاكمية البرلمانية الرشيدة.

والواقع ان تطوير الأنظمة واللوائح الداخلية هو أحد التحديات التي تواجه مختلف المجالس التشريعية العربية، وليس مجلس النواب الأردني فقط. ومجرد القاء نظرة على الدراسة المقارنة للأنظمة الداخلية للبرلمانات العربية التي أعدها الخبير اللبناني عدنان محسن ضاهر، ونشرت مؤخراً تحت عنوان "حقوق النائب وواجباته في المجالس التمثيلية العربية"، تكشف حجم المشكلات التي تعاني منها لوائح المجالس العربية. ومع ان كل واحد من هذه المجالس هو نتاج بيئته السياسية والقانونية وتاريخه الخاص، ولا توجد، من حيث المبدأ، وصفة جاهزة للتطويرات اللازمة "لاسقاطها" على أنظمة البرلمانات الداخلية، إلا أن تبادل الخبرات والممارسات الأفضل هو السبيل الوحيد لبلوغ حاكمية برلمانية جيدة.

وعودة إلى مجلس النواب الأردني، فإن المطلوب ليس مجرد ادخال تعديلات جزئية هنا أو هناك بهدف ابقاء النظام الداخلي اسير مراكز القوة في مجلس النواب، وعلى مقاساتها، وانما السعي نحو جعل النظام الداخلي أداة مركزية لتفعيل العمل البرلماني وعلنيته وانفتاحه، وتيسير حق الاعلام في الوصول إلى المعلومات البرلمانية، بما في ذلك محاضر الجلسات العامة وأعمال اللجان النيابية، وتطوير آليات مساءلة النواب ومحاسبتهم، سواء من المجلس نفسه، أو من خلال قاعدتهم الناخبة.

كذلك لا بد من تحديد فترة زمنية لبت اللجان بالقضايا المرفوعة اليها، ولا سيما مشاريع القوانين المحالة الى اللجنة الاقتصادية والمالية. اذ لا يعقل، مثلاً، ان تتراكم تقارير ديوان المحاسبة منذ عام 2000 وحتى عام 2007، دون أن تنظر اللجنة الأخيرة وتبت فيها وتحيلها لاطلاع المجلس.

هناك حاجة لمراجعة طبيعة اللجان النيابية وعددها، وتفعيل العمل المشترك بينها، وكذلك النظر في توسيع عضوية وقاعدة القرار في مكتب مجلس النواب، ومعالجة أسباب عدم استقرار الكتل النيابية، ومنح هذه الكتل نصاً واضحاً في النظام الداخلي يدمجها ضمن أدوار وآليات عمل المجلس.

هناك مواصفات لحاكمية البرلمان الرشيدة، لسنا في وضع يسمح بالتفعيل فيها، قصارى ما نطلبه هنا هو ان تفسح المجال امام المزيد من الفعالية والمشاركة في المسؤولية والشفافية والمساءلة.

[email protected]