حبٌّ برسم الأبد!

لستُ متأكِّداً من شيءٍ أبداً، أريدُ أنْ أمحو كلَّ ما سبَقْ..؛ فالرملُ الناعمُ، والماءُ النقيُّ، والنساءُ المستلقيات على الشاطئ عرايا..؛ كلُّها أشياءٌ لم تتمكنُ منها أصابعي. لا شيءَ في كفِّي أكيدٌ؛ حتى المرأة التي تنامُ الآنَ على كتفي مجرد احتمال!اضافة اعلان
كلُّ أنواع الطيور وقعت على أصابعي..؛ ولم أجد بعد شيئاً يُشبِهُني، وكلُّ النساءِ نمنَ في لغتي..، تركتُ لهنَّ الدفتر بدفتيه المرتخيتيْن، وجلستُ على طاولة الكتابة كالجنرال المتقاعد، أنتظرُ التي لم يحرقها الشوقُ بعد!
لم أسقط ولو مرَّةً واحدةً طوالَ العمر الذي أسرَفْته في القفز عن قلوب النساء..؛ كنتُ كلما بلغتُ امرأةً توقفتُ على عتبتِها، وفضلتُ العودَةَ إلى الحنينِ، وكتابة الشعر المسروق على جدار مدرسة "عين غزال" الثانوية للبنات. لم يتمكن مني شرطيُّ الآداب، وكلُّ النساءِ غفرنَ تماديَّ، لكنني الآن قد أسقط بمحض إرادتي في أيِّ لحظة..؛ لستُ خائفا كلُّ ما يقلقني تساؤلٌ غريبٌ: هل يمكنني مداراة طيْشي تحت العتبة، واستعادته لما أقرِّرُ النهوض!
قلتُ كلامَ حبٍّ متشابهٍ عن العاشقِ الذي لا ينامُ، وبالغتُ بادعاء ألم الاكتواء، ثمَّ لما نفدت حيَلي جرَّبتُ الوجهَ الأكثر استدراراً للعطف النسائي، فقلت إنَّ قلبي علبةَ كبريت أصابَها البلل..؛ ما استرحتُ يوما، وكلُّ الطرق التي عبرْتُها كانت بلا أرصفة..مثل قلوب النساء. أخطأتُ، وكلما واصلتُ المسيرَ أخطأتُ، وخطاياي البعيدة تغفر لي عما تقدَّم من ذنبٍ!
كنتُ الأعرابيُّ الأشدُّ كفراً ونفاقاً..؛ كم قلتُ إنِّي أحبُّكِ، وأشركتُ معكِ نساءً من تمر ليِّن، لم أبكِ كالعذريين، وما صدَّقتُ أنَّ الحبَّ رصاصَةٌ تخطئُ دائماً جسد العاشق، وتصيبُ روحه في المقتل. كلُّ اجهادات العشاقِ أخطأتني...؛ فأنا ابن أخ الحب، وابن عمه، ونسيبه أحيانا.. كنتُ زوج أخته، وأحببتُ أمه من طرف واحد. لا تتعبي نفسكِ في السؤال عني؛ أنا ابن القبيلة التي تعدادها يقتصر على حرفيْن!
قسمَني التعدُّدُ إلى رجل لزجٍ لا تستقرُّ شفاهه على حنَّاءٍ الكفِّ الناعمة.لا حنينٌ يجرحُ صوتي ببكاءٍ العائدين، فلا بلادَ أعودُ لها لما تنتهي قبلتنا. الآن أودُّ لو أنَّ لي امرأة كثيرة..؛ ويكونُ كثيراً عليَّ أنْ تقول لي باختصار: "صباحكَ قهوتي"، أودُّ أنْ أذرعَ غرفتي بما يعادلَ السفر إلى طلب العلم، لأكتبَ لها رسالة ملغزة: "اشتقتُ إليكِ كما يحنُّ الرأس المثقلُ إلى الوسادة الخالية من الهواء"!
أدخلُ محلَّ الأدوات الكهربائية، فينصحني البائعُ أنْ أشتري التلفاز الصغير حتى لا أرى المفاتنَ مكبَّرَةً، فتثورُ فيَّ حمِمُ العازبِ، أذهبُ إلى "ميني ماركت" أبتاعُ الكحولَ البيضاء، فيقولُ لي الصبيُّ الأجير حكمته الناقصة:"الوحدةُ أنْ تقرَعَ كأسكَ بكفكَ". لا أودّ العودة إلى البيت. يرافقني شاعرٌ في طريقٍ آخر، تتفاقمُ كآبتي لما يشرحُ بفلسفة فائضة أنَّ الحزنُ حبيبة سريَّةٌ تنامُ في زاوية مني لما أصعدُ درَجَ البار الشعبيِّ، وأطلبُ كأسا فارغةً وماءً لاذعاً..، وذكرى لم يُحسن الغيابُ طيَّها!
سأصدِّقُ جارتي، وأتوارى عن فضول النساء؛ وأسرفُ بالاعتقادِ أنَّ قلبي الشاسع مثل حبٍّ برسم الأبد، تكفيه امرأة واحدة، وسأظنُّ أنَّ الحبُّ لم يصبني سوى في الأمس، لما سقطت بكفي آخر النساء العشر على الشجرة!
للحكايةُ الآن عقدةٌ واحدةٌ..، هي أنِّي العاشقُ الذي ماتَ دائماً في حبكةٍ رديئةٍ لضرورات الألم في روايات الحبِّ الساذج، والبطلُ الذي يغارُ منه المخرج فيقتله بنهاية الفيلم برصاصة طائشة..؛ أنا يا حبيبتي جرَّبتُ الموتَ كثيراً ولم أمت حتى صرتُ أتقبل العزاء فيه. نجوتُ من مئات حوادث السير، ورشوتُ "القضاء والقدر" دفعةً واحدةً، كي أموتَ بشكل مهيب وأبدأ الحياة "الأخرى" معكِ!

[email protected]