حب على ما يبدو!

أريدها الآن. لكن كل الطرق إليها مغلقة، إما بسبب الأحوال الجوية السائدة دائما، أو بسبب انتحار عاشق ما في منتصف أحد الطرق الفرعية المختصرة إلى منزلها، أو لورود معلومات إلى "الجهات المعنية" تفيدُ أنَّ في نهاية كل تلك الطرق تسكن امرأة كثيرة الرجال، لا عنوان لها!اضافة اعلان
ولأنني رجل لحوح، فقد اخترتُ خط الهاتف للوصول إليها، فاشتريتُ بطاقة خلوية لأحادثها..، وتجاوزتُ التنويه الطريف عليها "كلام الحبِّ ببلاش". بدأنا بكلام تلقائي يجري بين عاشقين يؤديان دورا واحدا، بدرجة انفعال واحدة، تركتُ الخط كله لها، فثرثرت كثيرا، ولما انتهتْ من الحديث الصاخب رجوتها أن تعيد حوارَها عناقا. وقلتُ باندفاع غير محسوب: "أحبيني..؛ أو على الأقل قولي بطريقة ما:أحبُّكَ"!
الحب ألا تجد لغة منطوقة تقول ما اعتدْتَ قوله..؛ لكننا واصلنا الحديث كلما فتحت لنا الخطوط أثيرها، وأصبح بيننا تواطؤ مضمر أنه كان من الضروري أن نلتقي في زمان ما لم يتهيأ ظرفه المكاني بعد، واتفقنا أن طريقا ما سيجمعنا تأخَّرَت وزارة الأشغال عن شقِّه!
في المرة الثانية هاتفتني، وسألتني كأنها زوجة قديمة لي عن المكان الذي أتواجدُ فيه، وبالطبع أجبتها كزوج ضليع في الكذب أنني مع أصدقائي في عمل خارجي طارئ. ويبدو أنها كالزوجات الطيبات أرادت تصديق كلامي غير المتزن، ثم أغلقت الخط، وأعادت الاتصال ثانية، ولاحقا، كلما تهاتقني ستكون هناك مكالمة أخرى في الانتظار؛ فحبيبتي، على ما يبدو، حواسها بستة أبعاد!
ويبدو أيضا أنني تورطت بها كأنها صوت من لحم ودم، وهكذا بعد ساعتين من الصمت المفتعل بيننا أرسلت لها رسالة خلوية تقول: "من دون عزة نفسي كإنسان..اشتقتلك". لم يردني منها حتى جواب أنثوي متثاقل أنْ "وأنا...أيضا"، فهاتفتها مرارا، وفي كلِّ مرة كنتُ أشعر أنَّ الرد الآلي خبيثٌ جدا، وأنها لقنته أن يقول لي كسكرتير خانع:"اترك لها رسالة". ويصمت!
لاشك أنني الآن مجرد أذن تعشق قبل العين دائماً، وهذا ما يفسر إلحاحي الشديد بسماع صوتها. وعبثا ذهبت كل محاولاتي، حتى الرسالة التي أرسلتها لها من تحت الماء وصلت إليها جافة، ولم تشعر أبدا أنني كنت قبل قليل أتنفس تحت الماء، وأنني على نحو ما، في ماء ما كنت أغرق. ولما يصحو فيَّ كبرياء ذكوري زائف تأتيني رسالة خلوية عاجلة من هاتفها تفيدُ أنها الآن: "داخل الخدمة"..؛ بينما أكون أنا قد غادرتُها!
مساء أمس حدثت المكالمة المفصلية التي قلنا إنها في تعريف الفن تشبه "الليلة الكبيرة"، أسهبتْ هي بالحديث وتقدمت منِّي ما يعادل ألف خطوة على الطريق العام، لكنني تراجعتُ بلا مبررات، ربما لأنها تقدمت كثيرا، فتمنيتُ لو أنها تختصر كثيرا من كلامها، أو تتظاهر برغبتها بالنوم قبل أن تنفد من رصيدي الدقائق المجانية، وقلت لها بمكر لا يأتيني دائما:" بعد قليل سينتهي الرصيد يا حبيبتي؛ يبدو أني قلتُ لها كلاماً ثميناً"!
تصلني رسالة هاتفية لحوحة منها: "حبيبي أنتَ لم تعُدْ تحبني"، فأجيبُ ببرودٍ قاتلٍ: "حبيبتي أنا لم أكن أحبُّكِ"، ثم تأتيني رسالة عاجلة من شركة الهاتف تذكرني أنه لم يُبتكرُ لاستفزاز كيد النساء، فأبادرُ للاتصال بها..لاشك أنه رقمها..؛ طلبتها ثانية فجاءني الرد الآلي ذاته: عزيزي المتصل إذا كنتَ ترغب بالصداقة اضغط الرقم "واحد"، وللعلاقة العابرة اضغط الرقم "اثنان"، للزواج اضغط بكلِّ حذر الرقم 13. ولطلب المساعدة أعد الاتصال مرة أخرى!!

[email protected]