حب لا يفجره سوى الموت!

في لحظة الفقدان النهائي لأشخاص نحبهم ونقدر وجودهم في حياتنا؛ نختبر الألم الموجع الذي يعتري قلوبنا، ونبدأ نتحدث مع ذواتنا والآخرين عن قيمة ومعنى هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يعيشون بيننا..اضافة اعلان
نحاسب أنفسنا بقسوة، ونتساءل: لماذا لا ندرك قيمة من نحب إلا حين نفقدهم وفي لحظة غيابهم الأبدي؟ لماذا لا نفتقدهم إلا بعد رحيلهم نهائيا عن الدنيا؟ هل كانوا يعلمون مدى حبنا وتقديرنا لهم؟ أكانوا يتخيلون مدى الحزن الذي تركوه في قلوبنا وطبعوه على أرواحنا بعد مغادرتهم لنا؟
أحباء وأقارب وأصدقاء يحيطون بنا ويملأون حياتنا، نحبهم ونقدرهم، ولا نتخيل حياتنا بدونهم. بيد أننا ننشغل عنهم بتفاصيل الحياة وبحجة أنهم موجودون بيننا، وإن لم نشاهدهم اليوم سنراهم غدا، هكذا حتى تمر الأيام ويزداد تقصيرنا معهم .. لنجد الندم رفيقنا حينما نفقدهم.
 الأمر ذاته ينسحب على كثير من المبدعين على جميع الأصعدة، تركوا إنجازاتهم وبصماتهم الحقيقية في هذه الدنيا، إلا أننا نقدرهم ونحتفي بهم وبتميزهم بعد وفاتهم، في حين لو وجدوا ذلك التقدير في حياتهم لكان حافزا حقيقيا لهم في مواصلة الإنجاز، وأملا أكبر في تمسكهم بالحياة.
لكل واحد منّا قلب يمتلئ بالحب والتقدير والعرفان والامتنان لوالديه وإخوته وأقاربه وأصدقائه، ولكن كم واحد منّا اعترف لهم بهذا الحب؟ كم واحد منّا أشعرهم أن حياته لا تكتمل إلا معهم؟ وأن وجودهم حافز له في استمرارية الحياة وتجددها؟.
لو أننا فعلنا ذلك لكانت مصيبة غيابهم الأبدي عنّا أخف وطأة وأقل حرقة..
ندرك أن الفقدان والغياب النهائي دائما له الوقع الأكبر ويترك حزنا يصعب مع الأيام نسيانه أو تجاوزه، لأننا ندرك أننا لن نراهم أبدا بعد ذلك..
لكن دعونا نقدر من نحب في حياته وليس بعد مماته.. وأن نبادر بالتواصل معه قبل رحيله.. لاننا بعد ذلك لن نملك سوى الحسرة والألم.
داهمت قلبي هذه الأفكار حينما وقع عليّ كالصاعقة نبأ رحيل الصديق والزميل زهران زهران.. صاحب الصورة الجميلة التي طبعها في قلوبنا قبل أن يطبعها بعدسة الكاميرا المرافقة لكتفه العالي..
كنت دائما، أيها العزيز الذي طواه الغياب، قويا وشجاعا وطيبا وراقيا بروحك المتفائلة..
سامحنا لأننا قصرنا معك رغم وجودك الكثيف بيننا، اغفر لنا لأننا لم نعبر لك كثيرا عن حبنا وتقديرنا واعتزازنا بك وأنت معنا، واعترفنا بذلك بعد أن غادرت الدنيا..
ربما لأن شجاعتك وتحملك ومحاربتك للمرض اللعين كانت أقوى من أي كلمة يمكن أن تقال حينها..
لكننا نعترف أن حجم الخسارة كانت كبيرة وفقدانك أكبر من أي كلمة يمكن أن تقال في حقك..
نم أيها العزيز إلى جوار من تحب ومن نحب من أصدقاء وأقارب رحلوا وغابوا في الضباب، وخلفوا دمعاتنا تحرق المآقي والجفون.. الله معك يا زهران.. الله معكم يا أحبتنا الراحلين..

[email protected]