حب يتبدل مع خطوط الموضة!

في زمن ليس بعيدا، أعني في سبعينيات القرن الماضي، كانت الفتاة مبهورة بدهشة الحياة والحب، تنام غارقة في الأحلام التي تنسجها من كلمات نزار قباني، التي غالبا ما تكون في ديوان رقيق تخبئه تحت وسادتها.

أما الفتى فكان يبكي لأهون إخفاقة له في الحب، ويجد في أغنيات عبد الحليم حافظ ملاذه الآمن، ينتظر عاما فعاما أفلامه المغرقة في الرومانسية، علّه يكون العاشق الذي يظفر بمحبوبته في نهاية الفيلم.

اليوم، اختلف المشهد، وتغيرت ملامح الحب، والعاطفة المشتعلة صارت صقيعا، وتلوث الحب الصافي بمفردات معاصرة تتبدّل كل موسم مثل خطوط الموضة!

اختلفنا وتغيرنا، ولم يعد الحب كما كان في زمن ليس قصيا، فحكايات العشق اختلفت عن تلك التي مضت، والأحلام لم تعد تنسج من خيوط المشاعر الصادقة، حتى ألم الفراق وحزنه ذاب مع إيقاع الحياة السريع!

الحب بحلوه ومره كان يقتحم كيان المحب وروحه؛ يأتيه بشكل مفاجئ؛ يخترق قلبه ويسكن في ثنايا شرايينه، يعيش أيامه بأمل يكفيه ليحيا من جديد، كانت الإخفاقة كفيلة بجعل المحب مستعدا للتضحية بكل ما يملك في سبيل لحظة حب صادقة وحلم جميل لن يتكرر.

زمان، لم يكن الحب بقرار! ولم يكن مع سبق الإصرار والترصد.. لم نكن نختاره كما نحن الآن.. نخطط لمن نفكر في أن نحبه، ونبدل اختياراتنا بتغير الظروف واختلاف المصالح!

لربما تكون النظرة سوداوية بعض الشيء، غير أن الواقع الذي بتنا نعيش فيه، أضحى أشبه بدهاليز مظلمة.. جعل الحب مليئا بالشوائب والملوثات التي يصعب إخفاؤها أو التخلص منها، مهما حاولنا تجميل معاني الحب.

ندرك أن ثمة من يحب لأجل الحب المغلف بالوفاء والتضحية، ولأجل إحساسه وأحلامه التي لا تتحقق إلا مع من يحب، ونعلم أن هناك من يتألم لفراق الحبيب، لكن فكرة الحب الحقيقي ضاعت وسط الزمن المزيف والوقت الذي لا تحكمه إلا المصالح، ولا تسيره إلا الحسابات.

في "زمن اللاعشق"غابت الحميمية التي كانت تحملها الرسائل الورقية المعطرة بأريج الحب.. كان المحب يعصر قلبه وفكره ليطرزها لحبيبته ويضمها بين يديه، متلهفا للحظة التي يسلمها لمعشوقته لتتسلل بين أصابعها، وتضمها لقلبها مستنشقة دفء الحبيب ورائحته.

رسائل الحب اختلفت اليوم وسايرت التطور التكنولوجي، وتخلت الحبيبة عن رائحة الحبيب في ثنايا رسائله وارتضت برسائل نصية قصيرة تفتقد للروح الجميلة، وحكمنا بعواطف إلكترونية سريعة ومتغيرة ولا تفرق بين الحب الصادق وحب المصلحة!.

رسائل الحب الحديثة لا تعد أكثر من تفريغ سريع للعواطف تخدم متطلبات الزمن السريع من دون عناء، ولا تحتاج لأكثر من (كبسة زر)، وأحيانا، وحتى لا يتعب المحبون أنفسهم في حياة سريعة الإيقاع، يتداولون الرسائل نفسها التي تبعث لهم من قبل الآلاف!

في القرن الواحد والعشرين تغير طعم الحب وفقد خصوصيته وبريقه وعبيره، وفقدنا الوردة الحمراء التي كانت تعيش لسنوات طويلة بين صفحات دفاترنا، وغابت عنّا بهجة حروف الحب التي نرسلها للحبيب عبر صديق لم يخذلنا؛ حتى الهاتف الأرضيّ كان بسماعته الغليظة وسيلة تبث الشوق والحنين لساعات وتبدأ برنته الكلاسيكية.

اضافة اعلان

فهل دخلنا عصر "حب الديجتال"؟!

[email protected]