حتى العام 2014.. سورية مثل ميانمار

مع انتخاب حسن روحاني رئيسا جديدا لإيران، يتعزز بقوة، أكثر من أي وقت مضى، أحد الاحتمالات الإقليمية والدولية فيما يتعلّق بالملف السوري، وهو بقاء أو إبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم حتى العام 2014؛ موعد إجراء انتخابات جديدة في سورية. ليس هذا التقدير ناجما فقط عن استدعاء أول التصريحات التي أدلى بها روحاني، والتي أكد فيها ضرورة بقاء الأسد في منصبه حتى العام المقبل، بل أيضا لأن ذلك فحوى تفاهم روسي-أميركي ضمني، يختلف بشكل واضح عن المقاربة الأوروبية للموضوع السوري، التي تتلمس في مجملها رغبةً سريعة في حسم الملف، ونصرة الأطراف المعتدلة في المعارضة السورية؛ يشاركها في ذلك أطراف عربية وإقليمية. فحوى التفاهم الروسي-الأميركي تأكد في قمة الدول الثماني الصناعية الثلاثاء الماضي، التي تجنبت في بيانها الختامي الإشارة إلى مصير الأسد؛ كما تبدّى في تصريحات مسؤول في الإدارة الأميركية قال فيها إن "تصديق قمة مجموعة الثماني على مفاوضات سياسية لإنهاء الحرب الأهلية في سورية يفي بالأهداف التي سعى إليها الرئيس باراك أوباما، ومنها ما بحثه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".اضافة اعلان
الباحث الاستراتيجي يزيد صايغ يلفت النظر إلى أن النظام السوري قد استفاد من العديد من المزايا التي أتاحتها الظروف على الأرض، وعلى رأسها الدعم المالي والعسكري والمشورة الاستراتيجية من قبل حلفائه: روسيا وإيران. وهذه الاستفادة تجلت في أنه لا يحتاج، أولاً وقبل كل شيء، سوى إلى البقاء. ولعل هذا يشكّل تحدياً كبيراً، ولكنه مع ذلك يبسّط الأمور بالنسبة إلى النظام. في المقابل، جعلت المعارضة من النصر التام هدفاً لها، ويقاس بإزاحة الأسد والنواة الداخلية للنظام، والتي قدّرها رئيس الائتلاف الوطني السابق معاذ الخطيب بنحو 500 شخص. وهذا يعني، برأي صايغ، هزيمة الجيش والقوى الموالية الأخرى وحلفاء النظام، الأمر الذي يتطلّب جهداً أكبر وتنظيماً أرفع مستوىً. وإلى أن يتحقق ذلك، يجب على المعارضة، يتابع صايغ، إثبات قدرتها على حكم المناطق المحررة بشكل فعّال، وتأمين إمدادات الغذاء والمياه والرعاية الطبية والمأوى للاحتفاظ بقاعدتها الشعبية وشرعيتها. لكنها فشلت حتى الآن في تحقيق أي من الشرطين.
على الأرجح، لن يحقّق النظام نصراً عسكرياً تاماً، ولكنه يستطيع توطيد قبضته على المدن السورية، وتثبيت وضعه الاقتصادي، وإبقاء الثوّار في المناطق الهامشية من البلاد. وفي هذه الحالة، وفق صايغ، سيحكم الأسد كياناً شبيها بميانمار على البحر الأبيض المتوسط، حيث يقاطعه الغرب وبعض الدول العربية، ولكنه يعتاش على دعم حلفائه الخارجيين والشبكات الاقتصادية والتجارية غير الرسمية التي تتشكّل بالفعل عبر حدوده.
برغم الخلافات بين روسيا والغرب حول الملف السوري، فإن ثمة تفاهماً روسياً-أميركياً ضمنيا على الحيلولة دون سقوط الدولة في سورية وتفكك مؤسساتها، وعلى الأخص المؤسسة العسكرية. وعلى الرغم من أن ثمة من لا يستبعد وجود مصلحة أميركية في إطالة أمد الصراع، وفق حسابات وتوازنات معقدة، فإن علينا التذكّر بأن التدخل الإقليمي والخارجي (روسيا وإيران) رجّح كفة النظام في سورية، على عكس ما حدث في ليبيا. لكنّ حدوث انزياحات في ذاك التفاهم محتمل جدا، في حال حققت المعارضة السورية اختراقات نوعية على الأرض، تغيّر من موازين القوى القائمة حاليا. وعلى الأغلب أن ذلك لن يتحقق على المدى القريب، وبرغبة أميركية، ربما تجلت في حثّ أوباما مؤخرا "على بناء معارضة قوية في سورية يمكنها العمل بعد خروج بشار الأسد من السلطة"!

[email protected]