حتى لا تكون نتائج الإفراط في الحذر كارثية

مراراً وتكراراً يؤكد الخبراء والمختصون وبائياً أننا في الأردن نكاد نكون الأفضل في منطقتنا من ناحية محاصرة الوباء، وأننا مبدئياً عبرنا منطقة الخطر المفترضة في الموجة الأولى من جائحة كورونا، هذا إذا افترضنا أن هناك موجة ثانية بالرغم من أن هناك مَن يشكك حتى الآن باحتمالية حدوثها. لكن هذا لا يعني عدم التحوط وأخذ ذلك بالحسبان مع ملاحظة أن قدرات وكفاءة جهازنا الطبي في وضع مريح وهي في تحسن مستمر بحيث تتعزز قدرة المستشفيات على تحمل إصابات أكبر.اضافة اعلان
لا أحد ينكر جهود الدولة بكل مؤسساتها في الوصول لهذه النتيجة المُطمئنة، ولكن كلفة ذلك كانت كبيرة وتداعياتها ستكون أكبر، ومؤكد أنها ستكون كارثية إن استمرت إدارة الأزمة بعقلية الإفراط في الحذر على أهمية الحرص وضرورته. فالنتائج حكماً ستكون عكسية إن لم تترشد الإجراءات الحكومية وتقرأ الأمور بطريقة مختلفة وتراعي الجوانب الاقتصادية والنفسية التي تركت أثراً عميقاً في حياة الناس وهي مرشحة للتدهور أكثر.
حتى تاريخ كتابة هذا المقال أصيب 739 شخصاً منهم 622 مواطناً أردنياً توفي منهم 9 أشخاص وهناك 146 شخصاً ما زالوا تحت العلاج. طبعا لا داعي أن نذكر بأنها إصابات وافدة وأن شخصاً واحداً فقط تسبب بإصابة 107 أشخاص. ونذكّر بالخطأ الذي حصل على الحدود وبمن يتحمّله، فالوقت ليس وقت توزيع التهم والمسؤولية. وهي على كل حال نتيجة مرضية لم تكن لولا وجود الإجراءات الصارمة؛ ولكن علينا أن نتذكر ونقارن أن معدل وفيات السير سنوياً لدينا يقارب 600 وفاة ومعدل الإصابات حوالي 17000 إصابة بين شديدة ومتوسطة. وبالتالي نحن أمام أرقام لا تستدعي كل هذا الخوف والهلع وتعطل الحياة وتحمل الفاتورة الاقتصادية المرعبة التي ستضع الدولة أمام مفترق طرق مصيري دعت رؤساء وزارات ووزراء وخبراء في الاقتصاد لرفع الصوت محذرين من مغبة استمرار الحكومة بإدارة الأزمة بهذا التحوط غير المبرر.
بصراحة بعض الإجراءات أصبحت مثار تندر وسخرية من ناحية أن الحكومة ترى أن الفيروس لا يظهر إلا بعد الساعة السابعة مساء وأيام الجمع والأعياد. أما كل هذا الاختلاط والتزاحم بين الناس من الساعة الثامنة صباحاً وحتى السابعة مساءً فمن المفترض أنه لن يساهم في انتشار الوباء، بينما تتردد الحكومة مثلاً في تمديد فترة الحظر للساعة العاشرة مساءً على أهمية ذلك لإعطاء الناس مساحة مريحة من الوقت ليمارسوا حياتهم بعيداً عن الازدحام والتدافع وتنشيط الحركة التجارية وتعافي الاقتصاد وعودة الإيرادات للحكومة.
نتفهم أن عودة الحياة لشكلها السابق مطلب غير منطقي فنحن جزءٌ من العالم وعلينا أن نتعلم من تجربته في العودة التدريجية وضمن ضوابط صحية. ولكن يبدو أن هناك من يتردد في الإقدام على هذه الخطوة لغايات وأسباب لا نعرفها أو نعرفها. ولا نريد أن نخلق أزمة مع الحكومة التي تقول إنها مستهدفة نتيجة نجاحها الاستثنائي وإن هناك من يناكفها سياسياً.
أكثر المتفائلين في العالم يقول بأن الوصول للقاح أو علاج ربما يكون في أواخر العام الحالي أو منتصف العام القادم. ومنهم أيضاً من يقول بأن خيار عدم الوصول لذلك وارد جداً. وهناك من يقول بأن الفيروس سينتهي كما انتهت فيروسات سارس وميرس وغيرها. نترك هذا لأهل الاختصاص فهم أعرف. ولكن يجب ألا نربط مصيرنا ومصير حياتنا واقتصادنا المنهك أصلاً باحتمالات غير مؤكدة وأن نعود بأسرع وقت وبأكبر قدر ممكن، حتى لا يتوغل الفأس في الرأس أكثر.