حتى لا نتحول فعلا لمجتمع الكراهية

زيد نوايسة يصح القول إننا تحولنا لمجتمع مرعوب من وسائل التواصل الاجتماعي؛ مساحة خطاب الكراهية والإساءة والتجريح وهيمنة فكرة المؤامرة في تفسير وتحليل أي قضية يمكن أن تحدث في مجتمعنا هي المسيطرة وهي الرواية الأكثر قبولاً هذه الايام للأسف؛ أن نقول إن الرأي العام وتوجيهه وتشكيله خاضع لسطوة وسلطة وسائل التواصل الاجتماعي بلا منازع هذا اعتراف بالحقيقة المرة التي علينا أن نتصدى لها بشجاعة والا دفعنا جميعا الثمن؛ فما يجري من انفلات هو المقدمة الموضوعية للتأسيس لحالة الفوضى. هناك حالة ارتباك عام ليس فقط لدى من يعتقد انه صاحب رأي متزن يحاكم الأمور بعقلانية وهدوء وتأنّ بل حتى لدى أي شخص في موقع المسؤولية خشية أن يتعرض لماكينة التواصل الاجتماعي التي لا تبقي ولا تذر ومن كل أصناف الشتائم والإساءة لكرامات الناس بل ان الأمور تصل حد الدعاء بالمرض والموت على اشخاص لا تعرفهم ولا توجد مشكلة أو خلاف على حقوق مادية ومعنوية؛ في سلوك يتنافى مع شرف الخصومة والتحلي بالفروسية والشهامة التي كانت سبيل الأردنيين دائماً عندما يختلفون. ثمة فرق هائل بين ابداء الرأي والموقف من أي قضية عامة والتأشير على مكامن الخلل والقصور وهذا امر مستحسن ومطلوب ومباح طالما أنه ينطلق من باب الحرص والمصلحة الوطنية بما فيه الخلاف السياسي، وبين الانزلاق للقضايا الشخصية والعائلية والمساس بحياة الناس الخاصة وكراماتهم بشكل لا تجيزه العقيدة الدينية ولا الاخلاق ولا المروءة والأعراف الاجتماعية. أتساءل وانا متأكد أن كُثرا غيري يتساءلون أيضاً ونحن نتابع التعليقات التي تكتب حول أي خبر ينشر على منصات التواصل أو على صفحات القنوات الإخبارية الى أين نسير ولماذا وصلنا لهذا الدرك من الفحش والإساءة والالفاظ المعيبة التي لطالما كان الأردني بعيدا عنها في سلوكه، ماذا تعلمنا في بيوت أهلنا وفي مدارسنا وجامعاتنا وفي مساجدنا ودور العبادة وأي منظومة تربوية زرعت فينا هذه الكراهية والسوداوية. تصفح أي خبر مهما كان بلا قيمة أو محتوى ذي قيمة يأخذك لقراءة قائمة تنضح بسيل من الشتائم والاتهام والإساءة والتشكيك دون وجه حق ودون مبرر وأحيانا تكون القضية لا تعنيهم وأن من نشرها له دوافع ومصالح شخصية ومادية فيتطوع المعلقون الذي لا يعرفون اصلاً القصة بالإساءة أكثر والإضافة ونسج روايات وهمية لا مصدر لها ولا أساس ودائما يكون الابتزاز حاضراً. المثير للدهشة؛ أننا بتنا نعيش حالة من الانفصام المجتمعي؛ فعندما يلجأ من تتعرض شخصيته أو عائلته للإساءة والتشهير والاغتيال المعنوي للقضاء باعتباره السلطة التي تتوافق عليها المجتمعات المتحضرة لتحقيق العدالة، وهذا رد الفعل المنطقي والعاقل؛ يتعرض للتنمر والإساءة وفي أحسن الظروف يطلب منه أن يترفع عن الإساءة دون أن يضع الآخرون أنفسهم مكانه ويشعرون بما لحقه من ضرر نفسي ومعنوي. حتى لا نصبح فعلا مجتمع كراهية الكل ينهش بالكل، وحتى لا يتسع الفتق على الراتق ولأن العودة لأخلاقيات مجتمعنا النبيلة أصبحت مجرد حنين لماض انتهى وولى، فإن كل شخص يتعرض للإساءة والتنمر عليه ألا يستسلم ويستمر في إجراءات اللجوء للقضاء مهما تعرض لضغوط اجتماعية لأنه بثباته على حقه لا يحمي نفسه فقط بل يحمي المجتمع مستقبلاً، وعلى كل هؤلاء الذين يمارسون دور المصلحين ألا ينافسوا القضاء على دوره ومهامه وعلى الدولة بكل مؤسساتها ألا تخضع للابتزاز تحت أي مبررات فالزيف وإن علا صوته سينكشف في النهاية. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان