حتى لا يتكرس المزاج السلبي نحو الانتخابات

ثلاثة أشهر تفصلنا عن موعد الاقتراع المحدد من قبل الهيئة المستقلة للانتخاب. وعليه فإننا ذاهبون رسمياً للانتخابات ما لم تحدث انتكاسة وبائية تستدعي العودة للإغلاق أو الحظر الجزئي، وهذه فرضية قائمة نتيجة ظهور حالات محلية في أكثر من محافظة. المؤكد أيضاً أن التحذيرات التي تطلقها منظمة الصحة العالمية لاحتمالية تفشي موجة كبيرة ربما تكون أقسى من الموجة الأولى قد تستدعي احتمالية إعادة النظر في مجمل العملية الانتخابية، وربما يفسر هذا تأخر الإعلان رسميا عن حل المجلس الثامن عشر. بمعزل عن كل ما يمكن التنبؤ به فإن الإرادة الملكية قد حسمت الأمر وأمامنا متسع مريح من الوقت للتعامل مع أي تطورات. ولكن ما قد يعيق إجراء الانتخابات ليس فقط كورونا، بل علينا ألا نغفل المزاج العام المحبط من الأداء البرلماني والإحساس بل الجزم بأن المجلس المقبل ربما يكون أسوأ من سابقه خاصة في ظل تحرك ما يقارب المائة من النواب الحاليين للترشح. أغبط النواب السابقين على جسارتهم للترشح وهم يعلمون أن غالبية الناخبين لا يحملون لهم رصيدا من التقدير ويعرفون جيداً أن الغالبية منهم انحازت لمصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة. والأخطر من ذلك أن الانطباع السائد في العقل الباطن لدى الناس أن لا أهمية فعلية للمجلس حتى لو أظهرت الحكومات في حديثها العام أهمية هذا الركن الدستوري. الناس تفهم جيدا أنه باستثناء بعض المصالح الضيقة التي تقدمها الحكومات لبعض النواب أثناء الثقة ومناقشة الموازنة العامة واقرار بعض القوانين وما يرتبط بتعيين أقارب مباشرين للنائب نفسه في موقع وظيفي غالبا ما يكون ثانويا مما يشكل مردودا سلبيا على صورة النائب أمام ناخبيه لكن ذلك في المحصلة لا يتعارض مع ما تريده الحكومات التي لا ترى أن من صالحها وجود برلمان قوي منزه عن المنافع الشخصية والمكاسب المالية وهو ما ينطبق على معظم مجالس النواب خلال الثلاثين سنة الأخيرة وهذا بالمناسبة ما يميز أداء الحكومات الأردنية وقدرتها على تطويع البرلمانيين مهما علا صوتهم وأرعدوا وأزبدوا كما حصل في البرلمان الحالي الذي ربط منح الثقة للحكومة بمغادرة بعض الوزراء الاشكاليين ولكن الرئيس ازداد تمسكاً بهم. بالرغم من كل عوامل الإحباط والتردد باغتنا تصريح لافت لمصدر في الهيئة المستقلة للانتخاب قبل أيام بأن الانتخابات ستجري حتى لو كانت نسبة المشاركة المتوقعة 2 %. قد يكون مفهوماً أن تعمل الهيئة على إنجاز الانتخابات مهما كانت النسبة، فهذا من الناحية الفنية والإجرائية دورها وهو مبرر. ولكنها تعلم والحكومة قبلها أن ثمة دلالات سياسية خطيرة في عزوف الناس عن المشاركة لأن هذا يعني انعدام الثقة في الحلقة الوسيطة بينهم وبين الحكومة من خلال القناة البرلمانية التي يفترض أنها تمثل الناس ولو نسبياً مما يعمق الإحباط والشعور بغياب التمثيل الحقيقي للناس وهمومهم. هذا الكلام ليس نثراً للتشاؤم وليس من باب تثبيط العزائم، فمعظم النواب الذين نجالسهم يرددون هذه الكلام. وعندما يخرج برلماني مخضرم عبر إحدى الفضائيات ويقول بأن المجالس النيابية مجرد ديكور فإننا لا نتوقع إقبال الناس على الاقتراع لا سيما وأن المال الفاسد -ولا أقول الأسود حتى لا ندخل في التصنيفات العنصرية-حاضر في المشهد الانتخابي ولديه من المهارة والمرونة والقدرة على التكيف ما تعجز عن ملاحقة الجهات الرقابية. التزام الدولة بالمواعيد الدستورية دلالة سياسية مهمة ولكن المهم ألا تطغى فكرة إجراء الانتخابات كأولوية على رفع نسبة المشاركة لأنها القادرة على تكريس المزاج الإيجابي للناس.اضافة اعلان