حدود اختلاف طهران مع موسكو

تدرك طهران أن موسكو في عجلة من أمرها لتثبيت وقف إطلاق النار في سورية وتعميمه في أغلب المناطق، واستثناء "داعش" و"النصرة" منه. وتدرك طهران أنّ موسكو تريد ذلك كي لا تتأخر مباحثات أستانة عن موعدها؛ بُعيد تسلّم دونالد ترامب مهامه الرئاسية بالفعل، ذلك أنّ تعثرها سيؤثر في مباحثات جنيف التي لا يفصلها الكثير من الوقت عن لقاء أستانة الذي يُراد له، وفق الضامن الروسي، أن يكون "حلقة مكمّلة لمسار جنيف"، ويهدف إلى "جمع وتوحيد الأطراف التي تمتلك سيطرة على الأرض".اضافة اعلان
إيران و"حزب الله" أفشلا في السابق الاتفاق المبدئي لإجلاء المدنيين في حلب، وفرضا شروطاً بخصوص قريتي الفوعة وكفريا. وهما منعا قبل أيام الجانب الروسي من دخول وادي بردى لوقف إطلاق النار هناك وتثبيت الهدنة، فضلاً عن أن طهران رفضت أن تكون "ضامناً ثالثاً" في اللقاء المهم الذي جمعها مع أنقرة وموسكو نهاية العام الماضي.
موسكو تعي قدرة طهران على التأثير، وعلى الشغب أيضاً، وتعي أنّ القوة الجوية، برغم أرجحية مفعولها حتى الآن، غير كافية وحدها من دون حضور إيران ومليشياتها على الأرض. لذلك، فإنّ روسيا تتجه لبذل جهود أكبر على صعيد صياغة توازنات دقيقة لمنع إيران من إفساد رغبة الكرملين في قيادة جهد باتجاه التسوية في سورية يُوضَع على طاولة ترامب، كي يقدّم له الدعم والتأييد.
ترغب طهران في فرض شروط على الهدن وعلى المصالحات المحلية التي تتم برعاية موسكو. وتعلم الأولى أنّ التفاهم الروسي-التركي قضم من النفوذ الإيراني في سورية. ومن المؤكد أن طهران يزعجها أن تكون "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" وفصائل إسلامية خمسة أخرى، على الأقل، حاضرة في مباحثات الأستانة وبوصفها شريكاً في وقف إطلاق النار. ومن المؤكد أيضاً أنه يزعجها سماع أنباء مثل اتفاق 9 فصائل بارزة (ليس من بينها "جبهة النصرة") على تشكيل "مجلس قيادة تحرير سورية"، من أجل تنظيم العمل العسكري والسياسي في مواجهة الحكم السوري وداعميه، بخاصة أنها ورقة تركية لا تلقى، على ما يبدو، معارضة موسكو التي يهمها التركيز على الإجماع على محاربة "داعش" و"النصرة"، وجمعُ من يقبل من الفصائل الأخرى بوقف إطلاق النار في "الأستانة" و"جنيف".
ليس المقصود مما سبق استعادة سجال طويل لم يثمر شيئاً لصالح المعارضة السورية حول تباين رؤى طهران وموسكو في سورية؛ كما ليس المقصود الخلوص بأن ثمة تقارباً روسياً-تركياً على حساب إيران، وإنما القول إنّ ثمة بعض الاستياء الإيراني من الخطوات الروسية، سيفرض على الكرملين عقد تسويات معقدة وصعبة لتقليص التباينات والشكوك بين أنقرة وطهران. ولا شك في أن موسكو تستفيد من لعب هذا الدور للظهور بمظهر القوة العظمى التي تملك القدرة على التعاطي مع أطراف متناقضة في المحيط الإقليمي (تتجاوز أنقرة وطهران، لتمتد إلى إسرائيل ومصر والأردن والسعودية وقطر)، إلى جانب استفادتها بالظهور بصورة مختلفة عن صورة الدولة العظمى التي وقفت ضد سُنّة المنطقة.
هامش تحرك طهران في سورية بعيداً عن موسكو يتسع، في ظل غياب التأثير العربي في المشهد السوري، وفي ظل معرفتها أن موسكو مثلها حريصة على "سورية الأسد" وأنها شريكتها في "الحسم العسكري الذي دمّر سورية". وسيتسع الهامش مع رغبة إيران و"حزب الله" في فرض شروط على الأرض تُضعف المعارضة المقبولة روسياً. لكنّ الهامش يضيق مع تحسن موقع أنقرة وتوحّد شركائها وانضباطهم وابتعادهم عن "النصرة". وهو يضيق أيضاً مع ما يبدو من "جدية" روسية في إحداث اختراق ما على جبهة المفاوضات السياسية، يلقى دعم صديق بوتين الجديد في البيت الأبيض.