حذارِ من مواقع التواصل الاجتماعي

بقدر ما شكّلت مواقع التواصل الاجتماعي اداة اتصال عصرية سهلة الاستخدام، لتبادل الافكار والاخبار والمعرفة من كل نوع، بقدر ما انتجت هذه المواقع مظاهر سلبية لا حصر لها، وأدت الى خلق ما يشبه حالة الفوضى الضاربة في أوصال المجتمعات، التي اكتشف بعض افرادها، من المهمشين والمقموعين ومن لفّ لفهم، نافذة مفتوحة في الهواء الطلق، يطلون منها في اي وقت يشاؤون، ويدلون عبرها بآرائهم ومواقفهم، ويقولون من خلالها كل ما يخطر على البال، خارج نطاق المساءلة، وعلى قاعدة حرية الرأي والتعبير المصانة في كل الدساتير والقوانين.اضافة اعلان
وحسناً ان الحكومات في الكثير من بلادنا انتبهت مؤخراً الى مثل هذه الظاهرة المستفحلة يوماً بعد يوم، وشرعت من ثمة في سن التشريعات المنظمة لها، رغم محاولات الترهيب التي قام بها ذوو الرؤوس الحامية، بذريعة ان في الامر قمعاً لحرية التعبير، وانه لا يمكن الحجر على الآراء في عصر الفضاء المفتوح، الامر الذي كبح الجماح الى حد ما، دون ان يؤدي ذلك الى القضاء تماماً على هذه الظاهرة المتفشية في بعض المواقع الالكترونية وعلى الشبكة العنكبوتية الى يومنا هذا، وهو ما دعانا الى اطلاق هذا التحذير الموجه اساساً الى المتفاعلين.
لم يتوقف التحذير عند المراجع المسؤولة عن حماية المجتمع وصون حقوق الناس، بل تعداه الى النخبة الثقافية من كتّاب ومبدعين، وهم الاكثر حساسية ازاء مسألة الحريات، حيث أخذ هؤلاء في الآونة الاخيرة يطلقون التحذيرات من مغبة ترك الحبل على الغارب امام من يستسهلون اغتيال الشخصيات معنوياً، دون ان يرهبهم المتطفلون على حرفة الكتابة، او تنال منهم مقولات حق يراد بها باطل، الامر الذي شكّل اول خندق دفاع متقدم ضد المنفلتين على الكافة، وشجع اولي الامر على التصدي قانونياً، وملاحقة منصات الكراهية والبغضاء والنميمة كيفما اتفق. 
ذلك انه كثيراً ما يطلق بعضهم اشاعة، او يلفق خبراً، تفوح منه رائحة كريهة تزكم الانوف، بهدف القصاص او الانتقام الشخصي وتسوية الحساب، وما إن يتم نشر مثل هذه المادة المنسوبة الى مصدر غير معلوم، حتى يتم نقلها من صفحة الى اخرى دون فحص ولا تدقيق، ويجري اعتمادها كحقيقة لا يرقى اليها الشك، وبعد ذلك يتم البناء عليها بسهولة، ويتفاعل الكثيرون معها بالتعليقات المثيرة لمشاعر الحقد، لا سيما من جانب من لديهم آراء مسبقة حيال المستهدفين بالخبر المزور، أو من تلقى الإشاعة عندهم هوى خاصاً ازاء غيرهم من الناس.
وأسوأ من ذلك كله، ان هناك بعض المواقع والصفحات المتخصصة في تلفيق المعلومات ونشر الشائعات، تقف وراءها غرف عمليات اعلامية سوداء، وجهات استخبارية محترفة في بث الاشاعة، وتضليل الرأي العام، سواء في اطار ما يسمى بالإعلام الحربي المعروف بانتقائيته الاخبارية المهينة لعقول المتلقين، او في نطاق ما يعرف بالحرب النفسية الدعائية، الموجهة كلياً للنيل من الخصوم والاعداء، خصوصاً في أوقات الحرب وزمن الأزمات، وهو ما وجد سبيله المفتوح دون عوائق عبر المواقع الالكترونية وصفحات التواصل المتاحة لكل من هب ودب.
سبق لي على المستوى الشخصي ان حذرت مبكراً من بشاعة ما تغلغل على شبكات التواصل من فوضى طاغية، راحت تملأ عالم الفضاء الافتراضي قدحاً وذماً في كل الاتجاهات، وتضرب بسمومها ذات اليمين وذات الشمال، وكنت في حينها شديد الحياء في تناول هذه الظاهرة، أقدم رِجلاً وانقص بالأخرى على عقبيّ، خشية اثارة اعشاش الدبابير التي فرضت نفسها على الفضاء العام، وبعد ذلك تعالت الاصوات من جانب المبدعين والقادة الاجتماعيين، الامر الذي شجع السلطات هنا وهناك على اخذ الزمام، لتنظيم الوضع من خلال التشريعات.
وأجيز لنفسي اليوم اطلاق هذا التحذير من مغبة التعاطي مع ما ينشر على المواقع ومنصات التواصل، على انه حقيقة منتهية لا تقبل النقاش، واعطاء نصيحة لكل من يقبلها، بضرورة الانتباه الى مصادر الاخبار والمعلومات المنشورة، للتثبت من المصادر اولاً، ومن ثمة مناقشة المحتوى، واخضاع الروايات المتداولة لمنطق الاشياء، وذلك بعد أن بات واضحاً ان لا سيطرة تامة على ما يفيض به العالم الافتراضي من نُتف ومُلح وحكايات بعضها يستحق سلة المهملات.