حراك الرابع مرة أخرى

شهر العسل انتهى سريعا؛ فبعد حوالي ستة أشهر فقط، يعود الناشطون مرة أخرى إلى الدوار الرابع محملين بمطالبهم من جديد، وعلى رأسها رحيل حكومة الدكتور عمر الرزاز.اضافة اعلان
الحكومة التي جاءت إثر هبة شعبية كبيرة، يبدو أنها لا تستطع الصمود كثيرا، بعد أن عجزت عن تغيير النهج الذي وعدت بأنه سيكون عنوانا لعملها.
تآكل الدخول، وتوسع رقعة الفقر، وارتفاع أرقام البطالة، كلها أسباب قوية دفعت بالشباب إلى الخروج إلى الشارع من جديد، بعدما عجزوا عن رؤية أي ضوء في نهاية النفق.
الأمر يزداد سوداوية حين ينظر المواطن إلى السلبية التي تعامل بها مجلس النواب مع تطلعاتهم، فضرب بها عرض الحائط، وأقر قانون الضريبة غير بعيد في بنوده عن القانون الذي كانت حكومة الدكتور هاني الملقي تنوي تمريره، والتي تمت الإطاحة بها بسببه.
وأيضا، النقابات المهنية، والتي كانت أساسا ومحركا في احتجاجات الصيف، تركت مطالب الشباب من دون معين هذه المرة، بعد أن رضيت بعقد صفقات مع الحكومة من تحت الطاولة، لتحقيق مكاسب لمنتسبيها، وبالتالي من أجل أن تحفظ صوتها خافتا ولا "تشاغب" على عمل الحكومة!
قد لا يبدو أن حكومة الرزاز استنفدت جميع رصيدها الشعبي، ولكن الثابت أن كل الأمور تشير إلى أن هوة القطيعة بين الشارع وبين الحكومة آخذة بالاتساع، وأنها، ربما، تصل إلى النقطة الحرجة أسرع من أي حكومة أخرى.
قانون الضريبة، وقانون حق الحصول على المعلومات، وأيضا التعديلات على قانون الجرائم الإلكترونية، جميعها عوامل مساعدة في تآكل شعبية الحكومة. ولكن الأساس اليوم هي عوامل اقتصادية بحتة. فبعد عقود من التخبط في هذا الملف والاعتماد الكلي على جيب المواطن في سد العجوزات المتلاحقة عاما فعاما في الموازنة، وهي العجوزات التي تأتت من الفساد والتغول على المال العام، وأيضا من خلال سياسات عرجاء اقتصرت فيها الوزارة والوظائف العامة على طبقة معينة من دون النظر إلى أحقية هؤلاء وأهليتهم لتلك المناصب.. بعد كل ذلك، ما يزال المواطن هو الوحيد المطالب بتحمل المسؤولية عن هذا التخبط والفساد.
الفاسدون الذين نهبوا المال العام ما يزالون طلقاء اليوم، بل إن أموالهم التي نهبوها من الشعب تزداد وتتضاعف، والحكومة تذر رمادا في العيون وتحول ملفات صغيرة إلى القضاء، من غير أن تكون مقنعة بأنها تحارب الفساد فعلا. بينما المطلوب من المواطن أن يغطي سرقات أولئك الفاسدين، ومع الفوائد أيضا!
تغيير النهج يحتاج إلى إرادة حقيقية وقوة تكون قادرة على فتح جميع الملفات العالقة، وأن يكون هدف عمل الحكومة المواطن في الأساس. وإلى ذلك الحين ستصطدم الحكومات بالشارع الذي لم يعد غافلا ولا قاصرا.. إذ يبدو أن الشارع هو الوحيد الذي غير نهجه.