"حرامية الغسيل"

 للسرقة أشكال وأنواع يصعب حصرها. في عالم اللصوص هناك تخصص واحتراف وتقسيم عمل، فالبعض يسرقون المجوهرات وآخرون البنوك أو المحلات التجارية، وفي الارياف هناك من يعتاشون على سرقة المواشي او المحاصيل. بعض اللصوص يختارون السطو على المنازل او الدوائر الحكومية او الاماكن المنزوية والمال العام. من بين انواع السرقات الغريبة التي شاعت في الحواضر القديمة واثارت جدلا حول طبيعتها ومقاصد من ارتكبوها سرقة الغسيل.  اضافة اعلان
 هذه الايام لا احد يهتم كثيرا بالغسيل رغم انه من اكثر النشاطات التي اشغلت من سبقونا واستهلكت الكثير من وقت امهاتنا وشقيقاتنا وحتى نحن الذين اختبرنا حياة العزوبية. كانت النساء في مجتمعاتنا يتحدثن عن الكنس والمسح والطبخ والغسل كوظائف اساسية لربات البيوت فيجلبن الماء من الآبار والغدران والينابيع ويأخذن في كثير من الحالات غسيلهن الى مصادر المياه لتوفير بعض الوقت والجهد، فتذهب النساء في مجموعات الى الوديان والسيول والغدران فيما يشبه الاحتفالية او الطقس لغسل الصوف والأغطية والملابس وينتظرن جفافها قبل العودة بها الى المنازل.
 الغسل فن ينعكس اتقانه على شخصية المرأة وسمعتها ومستوى نظافة اسرتها وحتى فرص بناتها في الزواج ونوعية ومستوى الخطاب الذين يتقدمون لهن، فالنساء النظيفات لا يتورعن عن نشر غسيلهن امام الجميع في حين تتردد النساء والاسر التي لا تلقي بالا للنظافة عن نشر غسيلها في اماكن ظاهرة للعيان.
 في الكثير من المواقف التي ينزع فيها البعض للمكاشفة يجري تنبيهه من قبل الاقارب والمريدين بأن "لا ينشر غسيله" اي لا يكشف اسرار اسرته للاخرين ومع ذلك تكشف الايام ان هناك لدى كل اسرة وقرية ودولة الكثير من الملابس والاشياء التي لم تغسل او لم يفلح الغسل في تخليصها مما لحق بها من الإهمال او كثرة وسوء الاستعمال او حتى من التقادم.
كان لاختراع  الغسالة الفضل في التقليل من الوقت والجهد في التحضير للنشاط اليومي الذي طالما شكل كابوسا للامهات والصبايا في الاسر كبيرة العدد فاصبحت مهام ربات البيوت منصبة على المقارنة بين مساحيق الصابون والمعطرات والاضافات الكفيلة بجعل الغسيل اكثر نعومة وارق ملمسا لدرجة ان الإعلام اصبح يطلق على المسلسلات والاعمال الدرامية الصباحية مسمى "Soap Opera" في اشارة الى ان غالبية جمهور هذه الاعمال الفنية من النساء ويأتي وقت اذاعتها صباحا في الوقت الذي غالبا ما تقوم به النساء بغسل الملابس.
 ولا يخفى على أي متتبع لهذه المسلسلات والاعمال حجم الدعاية والرعاية لها من شركات انتاج الصابون والمنظفات ومساحيق ازالة البقع بالرغم من اتجاه الكثير من الاسر العاملة للاستفادة من مؤسسات الغسل والكوي والتنظيف المنتشرة على طول البلاد وعرضها.
في المدن المكتظة والقرى تقبل جماعات اللصوص المتخصصة في سرقة الغسيل على مهامهم المتمثلة في مراقبة ورصد البيوت التي سيستهدفون غسيلها خلال ساعات النهار والتحضير للقيام بمهمة السرقة ابان الليل حيث يتوجهون الى سطوح وساحات نشر غسيل الميسورين وربما بيوت اهالي الجميلات مستخدمين ادوات خاصة تشبه خطافات صيادي الاسماك، فيلقونها على الحبال المحملة بالغسيل لتقع الحبال ومحتوياتها في ايديهم وسط بهجة وشعور غامر بالنجاح فيلبسون بعضها ويهدون الاخر لصديقاتهم.
اللصوص المختصون بهذا النوع من السرقات لا يرون في اعمالهم اختراقا لحرمة المنازل او الاستحواذ على مال الغير وخاصتهم ويبررون ذلك بان الملابس لم تعد لاصحابها بعد الغسل والنشر فقد ذهب عرق اصحابها وتبخرت رائحتهم واصبحت صالحة لاستخدام اي فرد دون ان يعلق بها ما يشير الى ملكيته.
 المبررات والتكتيك والدوافع التي يستخدمها لصوص المال العام لا تختلف كثيرا عن تلك التي يستخدمها حرامية الغسيل، فهم يرون أن الاراضي والاموال والمياه والكهرباء والخدمات تشبه الغسيل المنشور وان بامكان خطافاتهم ومهاراتهم ان تأتي بالحبال وما عليها وتضعه بين ايديهم ليفعلوا ما يشاءون، فمن حقهم الاستحواذ والاستيلاء على كل ما يحلو في عيونهم كما يفعل حرامية الغسيل بعد أن ينام الجميع أو يغيبوا او حتى وهم في كامل وعيهم وانتباههم.