حرب أميركا على الإرهاب: معتقلو غوانتانامو الأبديون في غياب الأدلة

لقطة من فيم الموريتاني بطولة طاهر رحيم - (أرشيفية)
لقطة من فيم الموريتاني بطولة طاهر رحيم - (أرشيفية)
أوليفر ساليه - (دويتشه فيله) 1/2/2022 سجن قدمت إدارات أميركية عدة وعودا بإغلاقه، لكنّ كل شيء بقي كما هو وأحوال معتقليه لم تتغير. أوليفر ساليه زار سجن غوانتانامو بعد 20 سنة على إنشائه ووافانا بالتفاصيل. * * * قضية المعتقل محمدو ولد صلاحي، هي نموذج معتاد للمعتقلين الآخرين في معسكر الاعتقال الأميركي سيئ السمعة، معسكر غوانتانامو بكوبا. فقد قبع ولد صلاحي خلف أسوار سجن غوانتانامو لمدة 14 عامًا. وتعرض فيه للتعذيب لمدة 70 يومًا وكان يجري استجوابه 18 ساعة يوميًا على مدار ثلاث سنوات. وكان وِلد صلاحي قد عاش في ألمانيا أيضا قبل اعتقاله، وكان مشتبهًا به في لعب دور قيادي في تنظيم القاعدة والتورط في هجمات 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية، ولكن لم يكن هناك أي دليل على هذه الاتهامات. ولم ترفع عليه قضية ولم يتعرض للإدانة قط خلال الأعوام الأربعة عشر التي قضاها في غوانتانامو. وفي النهاية تم إطلاق سراح الموريتاني البالغ من العمر الآن 50 عامًا، ولم يتم تعويضه عن سنوات عمره المسروقة. وما تزال المحامية نانسي هولاندر تتعامل مع هذه القضية كأبرز قضاياها حتى هذا الوقت، وقد وجدت القضية طريقها العام الماضي إلى شاشة السينما في شكل فيلم من إنتاج أميركي بريطاني مشترك بعنوان "الموريتاني". كانت جريمة ولد صلاحي هي المشاركة في معسكر إرهابي في أفغانستان، والرد على مكالمة من أسامة بن لادن من هاتف يعمل بالأقمار الصناعية، كما تتذكر هولاندر. وتقول المحامية إن غوانتانامو جعل الولايات المتحدة دولة "لا تحترم مبادئ سيادة القانون"، وتحدثت عن "وضع كارثي" فيه. ولا ينطبق هذا فقط على المعتقلين الثلاثة عشر الذين تم احتجازهم من دون توجيه تهم إليهم ثم أطلق سراحهم منذ سنوات، بل ينطبق أيضًا على المنفذين المزعومين لهجمات 11 من أيلول (سبتمبر)، الذين يُطلق عليهم اسم "السجناء الأبديون"، الذين ينتظرون أيضًا محاكمتهم حتى اليوم، بعد 20 عاما من وقوع الهجمات. تجاوز النظام القانوني بشكل ممنهج ولا يأتي هذا الافتقار إلى سيادة القانون من قبيل الصدفة. كان هذا هو هدف الإدارة الأميركية في عهد جورج دبليو بوش، كما تقول خبيرة غوانتانامو، دافني إيفياتار، من منظمة العفو الدولية. وتوضح إيفياتار: "لقد أنشأوا سجنًا خارج الأراضي (الأميركية) لتجاوز النظام القانوني للولايات المتحدة عن عمد". وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية حول الوضع في غوانتانامو، نددت إيفياتار بالانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، التي من بينها الاعتقال إلى أجل غير مسمى من دون تهمة، وكذلك تعذيب النزلاء. صحيح أنها لا توجد هنا معلومات متاحة للجمهور، ولكن يمكن لإيفياتار الاعتماد على تحقيقات مختلفة، من بينها تحقيق أجرته لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي بعدما تعرض عشرات المعتقلين في غوانتانامو لتعذيب وحشي. توجد القاعدة البحرية الأميركية في خليج غوانتانامو في كوبا كقاعدة عسكرية منذ أكثر من 100 عام. ولم يتم توسيعها لتضم معسكر اعتقال إلا في كانون الثاني (يناير) 2002، أي بعد أشهر قليلة من هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، الأمر الذي أعطى غوانتانامو شهرة سيئة منذ ذلك الحين. ويتحدث أنطوني ناتالي، الذي يدافع عن إرهابي القاعدة المزعوم عبد الرحيم النشيري في المحكمة، علانية عن خيبة أمله من غوانتانامو. ويقول: "لقد تخلينا عن كل شيء يجعل من هذا البلد دولة حرة، فيها حقوق متساوية للجميع". الرقابة على الصحافة والحضور الإجباري إذا كنت ترغب في الحصول على صورتك الخاصة عن غوانتانامو، فعليك التغلب على العديد من العقبات. الأولى هي عادةً المجال الجوي الكوبي، الذي لا يسمح لطائرات "الشارتر" الأسبوعية من واشنطن بعبوره. ويجب أن تحلق الطائرة أولاً حول كوبا من ناحية الشرق، الذي لا يسمح لها بأخذ مسار نحو القاعدة العسكرية إلا عند الاقتراب منها. ومن الجو تلقي نظرة أولى على القاعدة سيئة السمعة. وعند سفح سلسلة جبال جرداء يقع خليج غوانتانامو، وفي الغرب يوجد المطار، أما الشرق ففيه القاعدة البحرية، والمحكمة العسكرية "كامب جستيس" وكذلك معسكر الاعتقال. وقد حصلنا قبل وقت قصير جدا على الموافقة لزيارة الموقع، بعد فحص أمني استمر لأسابيع، وكان لا بد من التوقيع على "القواعد الأساسية" قبل السفر. وفيها يتم تحديد ما يمكن أن يتوقعه المرء كصحفي في غوانتانامو: لا حرية للحركة، وفوق كل شيء، لا حرية للصحافة. لا يُسمح لنا حتى بمشاهدة السجن من الخارج، وجميع المعلومات الواردة من الداخل تخضع لأقصى قدر من السرية، ما يدفع محامي السجناء بانتظام إلى اليأس. وقد كافحت نانسي هولاندر في المحكمة لمدة سبع سنوات لتأمين السماح لموكلها محمدو ولد صلاحي بنشر "مذكراته في غوانتانامو". الحياة في سجن التعذيب عندما تفكر في غوانتانامو، فإنك تفكر في التعذيب والأسلاك الشائكة أولاً وقبل كل شيء. وفي الواقع، ليس معسكر الاعتقال والمحكمة العسكرية سوى جزء صغير من القاعدة. وتشبه القاعدة البحرية إلى حد كبير بلدة أميركية صغيرة. أخذونا في زيارة للمدرسة الثانوية الجديدة، التي كلفت 65 مليون دولار ولم يتم افتتاحها إلا مؤخرًا، وفيها أحدث التقنيات. ويفترض أن يعيش هنا 220 طفلًا من جميع الفئات العمرية طفولة طبيعية قدر الإمكان، على الرغم من أن المتورط المفترض في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) ينتظر محاكمته على بُعد خمسة كيلومترات فقط. ويوضح مدير المدرسة، إميليو غارزا، أن معسكر الاعتقال ما يزال غير مدرج في المناهج الدراسية هنا. ويوجد سوبر ماركت هنا، ومناطق سكنية تذكرنا بالضواحي الأميركية، كما يوجد فرع ماكدونالدز الوحيد على الأراضي الكوبية. ويتم بث موسيقا البوب (الشعبية) الأميركية اللاتينية عبر راديو "غيتمو". وفي متجر الهدايا التذكارية يمكن للزوار شراء قمصان قصيرة الأكمام عليها شعار "Rockin in Fidels Backyard" (روك في فناء فيدل الخلفي). وما يزال هناك، في غوانتانامو تواجد للـ"قائد الأعلى" (أي: فيدل كاسترو). مرتدية زيا مموها، تقدم المذيعة أناليس كاندلاريا في الميكروفون عند الساعة الثامنة صباحًا برنامج الصباح، الذي يتضمن فقرات الترفيه والموسيقا -وحتى المواضيع الجادة مثل الانتحار. فقبل كل شيء، يتعلق الأمر بـ"تقوية الروح المعنوية للقوات"، كما تقول كاندلاريا. ولا تتحدث إذاعة "غيتمو" عن الاستجوابات الجارية أمام المحكمة العسكرية، ولا عن معسكر الاعتقال، فهذا ببساطة لا يعد "جزءًا من ثقافة" القاعدة البحرية، كما تقول كاندلاريا. وفي الواقع، فإن أغلبية الستة آلاف شخص، الذين يعيشون في غوانتانامو لا يمكنهم الوصول إلى مرافق المحاكم والسجون كافة هناك. وتقول كاندلاريا: "نحن نعرف فقط ما نقرأه ونسمعه في وسائل الإعلام". خطط، وخطط، ثم خطط إنه "عيد ميلاد" لا يُنسى ذلك الذي يحل في معتقل غوانتانامو في 11 كانون الثاني (يناير)، ويثير قبل كل شيء التساؤل عن سبب استمرار وجود هذا المعسكر حتى اليوم، على الرغم من الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان ولسيادة القانون، وبخاصة أيضا بعد انتهاء الحرب على الإرهاب منذ انسحاب القوات من أفغانستان الذي انتهى معه أساس وجود معسكر الاعتقال. جاءت الخطط الأولى لإغلاق غوانتانامو في نهاية عهد جورج دبليو بوش. ووعد باراك أوباما بإغلاقه مرات عدة، ثم سرعان ما خسر الأغلبية في الكونغرس أمام الجمهوريين الذين سنوا بدورهم قانونًا بموجبه "لن يُسمح لأي شخص سُجن في غوانتانامو بالحضور إلى الولايات المتحدة لأي سبب من الأسباب"، تقول نانسي هولاندر وتضيف: لذلك فإن نقل السجناء إلى البر الرئيسي الأميركي أمر مستحيل من الناحية القانونية. "لا محاولة لتحويل الأقوال إلى أفعال" ثم غير الرئيس دونالد ترامب مساره وأعلن أنه سيبقي غوانتانامو مفتوحًا في المستقبل. وبحسب الجمهوريين، يواصل غوانتانامو حماية البلد من الهجمات الإرهابية، كما أن نقل السجناء إلى الولايات المتحدة أمر خطير للغاية. وبدورهم، يجادل معارضو غوانتانامو بأن وجود المعسكر في حد ذاته هو سبب لتطرف الشباب المسلمين. جاء التحول التالي في سياسة غوانتانامو في عهد الرئيس جو بايدن، الذي أعلن بعد توليه منصبه من خلال المتحدثة باسمه أنه يعتزم إغلاق المعسكر خلال فترة ولايته. وعندما اجتمعت لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأميركي مرة أخرى مؤخرًا، لم يحضر أي ممثل عن حكومة بايدن. ويُظهر هذا قبل كل شيء أين تكمن أولويات الحكومة، التي "لم تقم حتى الآن بأي محاولة لترجمة أقوالها إلى أفعال"، كما تقول نانسي هولاندر. معتقل رغم عدم وجود أدلة في الواقع، ربما تواجه حكومة بايدن الآن مشاكل أكبر من معسكر غوانتانامو، بسبب برنامج بنيتها التحتية الفاشل وانتخابات التجديد النصفي الوشيكة في ظل هبوط التأييد لها في استطلاعات الرأي. ولذلك، فإن ما يحمله المستقبل لغوانتانامو غير واضح تمامًا. من الممكن إطلاق سراح بعض السجناء، كما هو مخطط. ويمكن عن طريق الاتفاقات مع بلدانهم الأصلية إعادة آخرين إلى هناك. لذلك، فإن دافني إيفياتار من منظمة العفو الدولية متفائلة بشأن المستقبل. وتقول: "مع تقلص عدد النزلاء، يصبح من الواضح أيضًا مدى سخافة كل شيء"، لأنه من الواضح أيضًا، بصرف النظر عن الأسباب الأخلاقية المعروفة، أن السجين يكلف دافع الضرائب الأميركي 13 مليون دولار أميركي سنويًا. وسيكون من الأرخص أن يكون لديك سجن في الولايات المتحدة، وهذا بدوره، بغض النظر عن العقبات القانونية، ليس هو الحل، كما تقول نانسي هولاندر التي تطالب بالإفراج الفوري عن سجناء غوانتانامو. وتضيف: "لا يمكننا إبقاء الناس ببساطة سجناء لمدة 20 عامًا من دون مقاضاتهم لأنه من المفترض أنها لا توجد أدلة كافية ضدهم، لكننا في الوقت نفسه ندعي أنهم ما يزالون خطرين بشكل أو بآخر". لم يعد بالإمكان الإجابة عن السؤال حول مستقبل غوانتانامو بحجج عقلانية، منذ مدة طويلة. فقد أصبح مثله، مثل العديد من الأشياء الأخرى في الولايات المتحدة، لعبة السياسة التي تلقي بظلالها على "السجناء الأبديين" الذين ينتظرون محاكمتهم منذ 20 عامًا.اضافة اعلان