حرب أهلية في الجامعات

الأردن ليس بلداً قبائلياً وعشائرياً أكثر من اليمن، ومع ذلك لم أسمع أن طلاب الجامعات اليمنية يحتربون، على الرغم من أنهم الشعب الأكثر تسليحاً بالعالم.اضافة اعلان
ونفس الأمر يمكن تطبيقه على لبنان، البلد الذي تتنازعه الطوائف بشكل حاد، وتحكمه الميليشيات المسلحة أكثر من الأمن والجيش، ومع ذلك فإن الطائفية لم تقتحم أبواب جامعاته لتثير نزاعات مسلحة مثلاً أو حتى مشاجرات.
الواضح أن أبواب الجامعات خط أحمر مهما كانت سمة الدولة، ومهما تنازعتها الصراعات، ولكن هذه القاعدة الذهبية لم تطبق في الأردن، وأصبحنا اليوم أمام حالة "حرب أهلية" داخل أسوار الجامعات، ولم يعد هذا الوضع الكارثي استثناء في منطقة جغرافية، فهو في العاصمة عمان، وفي الجنوب والشمال والوسط، وهو أيضاً غير مقصور على الجامعات الحكومية، بل امتد لتصل شظاياه إلى الجامعات الخاصة.
لو كنت مكان رئيس الحكومة لأعلنت "حالة الطوارئ" داخل أسوار الجامعات حتى نجد حلاً، فالمنظومة التعليمية مهددة بالانهيار، والاعتراف الدولي بجامعاتنا واعتمادها قد يصبح في مهب الريح، وقدوم طلبة الخليج لتلقي العلم في جامعاتنا قد ينتهي إذا لم يتم وأد هذه الظاهرة السوداء.
ما يحدث جنون لا يعقل، وأحاول عبثاً الوصول إلى إجابة مقنعة؛ لماذا يجتاح العنف جامعاتنا، ومن المسؤول، وكيف نعالج هذه الظاهرة؟!.
قبل أكثر من 30 عاماً عشت بين أسوار جامعة اليرموك طالباً، ولا أتذكر أن مشاجرة واحدة قد حدثت، ولم أسمع أن طالباً قد انبرى يدافع عن زميله لأنه من عشيرته، ولم يصل إلى علمي أن طالباً غضب وقرر تكسير الجامعة وحرقها لأن دمه "فار" بسبب "مغازلة" زميلته المعجب بها.
كانت المكاسرة بين الطلبة سياسية رغم الأحكام العرفية، وكان الطلبة مهما كانت انتماءاتهم في منتهى الانضباط، حتى حين يتعرضون للقمع داخل الجامعة أو خارج أسوارها.
ماذا حدث لتنهار كل هذه المنظومة القيمية بجامعاتنا، هل يكفي أن نعيد السبب إلى سياسات القبول الجامعي، وسياسات تعيين إدارات الجامعات وأساتذتها، هل نلقي بالمسؤولية فقط على عمادات شؤون الطلبة.
هل ما حدث عمل ممنهج حكومي لإفراغ الجامعات التي كانت معقلاً للعمل السياسي، هل وصلنا إلى حافة الهاوية الآن، وندفع ثمن هذه السياسات، والنتيجة هذه الفوضى والاقتتال اليومي والعنف والدم الذي يسيل في حرم الجامعات؟.
باعتقادي أن حالة الانهيار التي بدأت تتعمق طوال أكثر من عقدين بالجامعات هي حصيلة لكل ما حدث، بدءاً من الوصاية عليها لإنهاء كل أشكال العمل السياسي، واستبدالها بتعزيز الصراعات العشائرية، ومروراً بتغيير سياسات القبول الجامعي، بما يضمن ضخ طلبة يغيرون من هوية الجامعة، وينقلونها إلى مناخات أخرى، وبالتأكيد لا يمكن تجاهل إدارات الجامعات التي لم تنزل إلى حرم الجامعة، ولم تعرف هموم طلبتها، وظلت تدير الجامعات على نظام "الجاهات".
وفي ذات السياق يبرز مجلس النواب كلاعب ساهم في "تخريب" الحياة الجامعية، لأن تدخلات أعضائه وضغوطاتهم منعت إنفاذ القانون، وساهمت في إفلات الطلبة الذين يمارسون العنف من العقاب!.
وصلنا إلى حافة الهاوية، وربما سقطنا، ونريد حالة طوارئ لمدة عام على الأقل، تعلن فيه سياسات وخطة تنفيذية لإنقاذ الجامعات من حالة الفوضى والحرب الأهلية التي تعيشها.
لا شيء نملكه أغلى من جامعاتنا، ولا شيء أهم من الشباب والشابات الذين يصنعون مستقبل الأردن، فإذا لم نتحرك لتجنيبهم هذه الأخطار .. فلمن نتحرك؟!.

[email protected]