حرب الإشاعات.. فتّشْ عن المزاج العام!

تصدر الجدل حول الاشاعات واغتيال الشخصية والإساءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي المشهد العام في الأردن خلال الأسبوعين الماضيين، وسط تحذيرات من مسؤولين ونخب ومواطنين من الآثار السلبية والتداعيات من اتساع مثل هذه الظاهرة، التي توفر وسائل التواصل الاجتماعي ووصول أكثرية المواطنين لها سهولة الانتشار والتأثير، بعد أن تقدم هذا الإعلام الجديد على الإعلامين التقليدي والالكتروني بقوة الحضور والانتشار والتأثير.    

اضافة اعلان

لنتفق أولا أن هذه الظاهرة المشكلة، بثّ الإشاعة والأكاذيب والمعلومات والأخبار غير الموثقة ليست مقتصرة على الأردن، بل هي ظاهرة باتت عالمية يكاد لا ينجو منها مجتمع أو دولة، حيث تدفق المعلومات والنشر عبر مواقع التواصل بات بلا حدود ويصعب ضبطه في ظل التقدم التقني الهائل، وأيضا في ظل ما وفره ذلك من حريات وحقوق انسانية وسياسية للبشر لا يمكن لهم التنازل عنها جراء سوء الاستخدام والاستغلال لأهداف غير قانونية من أفراد أو من مجموعات، بل وحتى من حكومات، حيث دخلت أغلب حكومات العالم اليوم على هذا المضمار الافتراضي، ووفرت له الموازنات والخبراء لاستغلاله وتجييره لصالح سلطاتها وسياساتها وحروبها. 

على المستوى المحلي، لا شك أن ثمة مشكلة واضحة على هذا الصعيد، يتم من خلالها اغتيال شخصيات والمس بكرامات ناس، وإحداث شوشرات وبلبلة أحيانا، وهي بلا شك مشكلة حقيقية تحتاج لنقاشات مجتمعية وتصد واع لها، ليس لإنهائها من الجذور فهذا أمر مستحيل، بل للحد من غلوائها وباتجاه ترشيد النقاش العام حول القضايا الوطنية ولكل ما يهم الناس، ودون أن يطال ذلك ما تحقق من مكتسبات في حرية التعبير والنقد وطرح الآراء للجميع. فجاحد من ينكر أن وسائل التواصل وتفاعل الناس عبرها باتت تشكل عينا رقابية فاعلة على الحكومة والمسؤول والموظف العام، وقادرة على تعرية التقصير والفساد والتهرب من المسؤولية ونقص الخدمات، وبما بات يفوق قدرة الأدوات الرقابية الأخرى. 

وأعتقد أن ما يمنح هذه المشكلة؛ إساءة استخدام النشر على مواقع التواصل واغتيال الشخصية، بعدا خطرا وحادا على المستوى الاردني، هو المزاج الشعبي العام، الذي لا يمكن التغاضي اليوم عن ملاحظة حدته وإحباطه وفقدانه الثقة بكل شيء، وهذا ما يمنح ظاهرة الإشاعة ونشر المعلومات والأخبار الكاذبة أو المهولة واغتيال الشخصية، هذا الدفق من الحياة والقوة، والتي لا تتمكن الادوات الرسمية في أحيان كثيرة من الحد من قوتها وتأثيرها بصناعة رأي عام حول هذه القضية او تلك. 

من هنا؛ يبدو المدخل الاساسي لتفكيك حجم مشكلة مواقع التواصل الاجتماعي وما ينشر عليها، وحجم التعثر في معالجتها والتصدي لها، فالمزاج العام المحبط والمتشائم والفاقد للثقة لن يكون معنيا كثيرا بالتدقيق في الحقائق والصورة المكتملة، بل ولن يكون مباليا –وللأسف- أحيانا كثيرة في التعاطف مع هذا المسؤول أو ذاك ممن يتعرض لاغتيال شخصية وتجنٍ وفبركة أخبار، هذا إن لم يصل الأمر للشماتة وغير المبالاة. 

هذا المزاج العام لم يأت جزافا، ولا لأن الأردنيين يمتلكون جينات تشاؤم وسوداوية، وأزعم أن تزايد المعاناة المعيشية والاقتصادية في السنوات القليلة الماضية، والتي تعمقت آخر سنتين بصورة واضحة لتطال مختلف الطبقات، وعدم القدرة على مجاراة غلاء المعيشة والحياة جراء موجات رفع الاسعار والضرائب والرسوم ورفع الدعم الذي لم يوفر حتى الخبز، وانعكاسات ذلك اجتماعيا وحياتيا عمقت المزاج العام الحاد والسوداوي والمغترب عن مجتمعه، ورسخت فقدان الثقة بالرسمي وبكل أدواته الإعلامية والسياسية، فلا ضير –مع ذلك- في خلط الحابل بالنابل، وتعزيز ثقافة الإشاعة والتجني وفبركة الاخبار والمعلومات، والمس بكل الخطوط الحمر.

أزعم أن القصة اليوم هي في المزاج العام الغارق بإحباطه جراء المعاناة المعيشية الساحقة وعدم ظهور أمل بآخر النفق.