حرب التحريك المقبلة

 

هل تبدو هذه اللحظة التاريخية، حيث الأفق السياسي المغلق تماما وفرص التسوية التي تكاد تتلاشى، هي اقرب ما تكون في الدوافع وتقدير المواقف لما كان سائدا في مطلع  تشرين الأول من عام 1973.

اضافة اعلان

في الأكاديميات العسكرية العريقة، مثل ساند هرست ووست بونت، وربما في أكاديمية ناصر، يعلمون القادة بأن الاستراتيجية تكمن قوتها وفعاليتها في الحالة النهائية التي يجب الوصول إليها، التي يتم تعريفها بالهدف النهائي للخطة بعيدا عن تفاصيل الوسائل والأدوات.

فقد توصلت أوروبا منذ سنوات وتوصلت الولايات المتحدة مؤخرا الى ان الحالة النهائية التي يجب ان يُسعى إليها في الشرق الأوسط لا تحتمل خيارات، وهي منطقة يعمها الاستقرار والسلام، ثم الرخاء، فاستمرار إدارة الأوضاع القائمة يعني استمرار تفريخ مصادر التهديد التي لا يدري احد الى أين تقود العالم.

تمت في أكثر من مرة مراجعة خبرات العالم في وسائل تحقيق الاستقرار. المسار السياسي ليس وحده القادرعلى خلق التسويات التاريخية. وليس وحده القادر على جلب الاستقرار، وتحديدا إذا ما وصل الأمر بين أطراف الصراع الى درجة من التناقض والتباين التي تجعل البحث عن مستقبل للتسوية مجرد عبث سياسي.

ثمة اتجاه تحليلي يرى أن الأوضاع في الشرق الأوسط وصلت الى الحافة، فالأفق السياسي شبه مغلق تماما، بعد تفريغ الدور الأميركي من مضمونه، وأخر إشارة رمزية له كانت  فيما تردد حول خطة اوباما التي تبخرت فجأة، ثم العودة العملية الى المدخل الإسرائيلي في إدارة الصراع والمتمثل في الصمت على استمرار إسرائيل في مشاريعها الاستيطانية والانجرار خلف المقولة الإسرائيلية بمنح الملف النووي الإيراني الأولوية في إدارة شؤون الشرق الأوسط.

وهناك قناعة شبه تامة لدى النخب الاستراتيجية العربية، داخل النظام الرسمي وخارجه، بأن استمرار إسرائيل بإدارة الأوضاع القائمة داخل الأراضي الفلسطينية بالمسار الحالي لثلاث سنوات مقبلة يعني عمليا تصفية القضية الفلسطينية تماما، حتى تصل الأطراف المطالبة بحقوقها انه لم يتبق ما يمكن التفاوض حوله بالسياسة.

ذلك يعني تحويل المخاوف الاستراتيجية للأطراف العربية الى مصادر تهديد حقيقية، فالأردن يزداد انكشافا أمام مشاريع الوطن البديل ويضع في حسابه أن يجد في لحظةٍ السلطة الوطنية تتدفق اليه عبر الحدود، فيما اقتربت مصر من الحافة الأخرى نتيجة التهميش، ومنعها من لعب أي دور في المنطقة بالمقارنة مع الصعود الإيراني والتركي والإسرائيلي المتواصل على حساب المجال الحيوي المصري التاريخي، بينما يزداد إدراك السعودية ودول الخليج لحساسية موقعها.

إسرائيل بدورها تملك مبررات للتسريع من جهتها في تغيير قواعد اللعب في الشرق الأوسط إذا ما شعرت ان الآخرين اخذوا يتململون عمليا من منهجها في إدارة الأوضاع القائمة، وإذا ما ازدادت الضغوط الدولية عليها، كما حدث مؤخرا في موضوع الاستيطان، وإذا ما ازداد انكشافها السياسي والأخلاقي أمام العالم كما هو منتظر في نتائج تقرير لجنة تقصي جرائم حرب غزة الأخيرة.

في نظريات الألعاب السياسية التقليدية يتم رصد سلوك اللاعبين بكل ما يحمله هذا السلوك من أفعال ودلالات رمزية ضمن محاولة توقع الخطوات المقبلة، وقد يشير هذا الرصد الى مدى وجود صيغ من التفاهمات الداخلية الصامتة بين أطراف اللعبة.

في لحظة ما قد تكون هذه القواعد جزءا من التضليل الاستراتيجي لخطوة غير متوقعة لتغيير قواعد اللعب تماما أو لإعادة الأطراف مجددا الى الطاولة، التضليل الاستراتيجي كان أقوى أدوات التهيئة لحروب التحريك في التاريخ الحديث.

[email protected]